عائض الأحمد
يبذل الغالي والنفيس ليُغيّر ما حوله، يمضي وسط الفوضى والضجيج، يحمل أحلام من يحبهم على أكتافه، وينسى نفسه.
كل شعلة يُوقدها، وكل دمعة يمسحها، لا ينتظر عليها شكرًا ولا يرجو مكافأة، لأنه صار جزءًا من شيء أكبر… شيء يحتاج قلبه وروحه، ولو كان الثمن ضياع ذاته بينهما.
يمضي في العطاء بلا كلل، يمحو آثار الألم عن الوجوه، ويبني جسور الأمل حيث يشتد الظلام، ويزرع النور في زوايا القلوب المُنهكة. كل خطوة يخطوها، وكل ابتسامة يتركها، هي رسالة صامتة لهم: ما زال هناك من يُؤمن بأن الإنسان قادر على التغيير… حتى وإن كان الثمن هو نفسه.
لكنه- ورغم كل هذا- ليس ملاكًا، ولن يكون. فما ذنبه إن ظننتم ذلك، وتناسيتم أنه بشر يخطئ ويُصيب، ويحتاج بدوره إلى يدٍ حانية، وربتة صادقة، تذكّره أن قلبه الذي منحكم النور… لا يزال يحتاج من يضيئه.
القوة التي رأيتموها فيه لم تولد من فراغ؛ بل نسجتها لحظات انكسار صامتة، وأيام كان فيها أقرب إلى الانطفاء منه إلى الإشراق.
هو لا يطلب معجزة، ولا يبحث عن بطولة، كل ما يريده أن يجد صدرًا يحتضن تعبه، وكلمة صادقة تشد أزر قلبه، ليعود ويمنح من جديد.
لا تتشبثوا بزلات البشر، فلكل قلب رصيد إنساني يعود إليه حين ينسى من يكون، وإن غاب عنكم اسمه، ستجدون ملامحه في الأثر الذي تركه فيكم. وكأنه فيلسوف يتحدث بصمت، إشارته أبلغ من ألف كلمة.
فحتى العطاء، كي يستمر، يحتاج أن يُروى… وحتى الضوء، كي لا يخبو، يحتاج من يحرسه من العتمة.
واليوم أنا هنا، لكن غدًا قد أغيب… فماذا أعددتم لذلك الغياب؟
هل ستحفظون الأثر الذي تركته بينكم؟
هل ستروون البذور التي غرسها في قلوبكم، أم ستتركونها تجفّ مع رحليه؟
تذكّروا أن الأيادي التي تمتد لتسندكم، قد يأتي يوم تبحثون عنها فلا تجدونها… وأن الدفء الذي اعتدتم عليه، قد لا يكون حاضرًا كل مرة تنادونه فيها.
فإن وجدتم من يعطيكم شيئًا من ذاته، فكونوا أنتم له شيئًا من الوفاء… قبل أن يُصبح الوفاء رسالة تُكتب على شاهد الغياب.
لها: إن لم يشهد الألم، فلن تجد قاضيًا يحكم.
شيء من ذاته: غريبٌ في عقر داره… لأنه لم يكتب سيرتهم كما أرادوا.
نقد: الماء إن سال يعود إلى الأرض، أما اللبن إذا انسكب فلا يُستعاد، فاحفظ دموعك للقادم.