◄ وُلدت فكرة "الجمعية العُمانية للتصميم" عقب "صدمة" ما بعد التخرج
◄ إفادة الآخرين أهم مُحفِّز لمواصلة العمل والاستمرار في الطريق الصعب
◄ المرأة بفطرتها قوية وذكية عاطفيًّا.. لكن الطيبة لا تعني السذاجة!
◄ التوازن بين القلب والعقل ليس ضعفًا.. والمرأة المُتحكِّمة في مشاعرها "بطلة"
◄ الدعم البسيط قد يصنع فارقًا في حياة الآخرين
◄ بيئة العمل الإيجابية تُصنَع بالإنصات والمُشاركة
◄ طريق النجاح ليس مفروشًا بالورود وفيه الكثير من العثرات والدروس
◄ النجاح ليس بريقًا وأضواءً.. بل أثر يبقى أزمنة وأزمنة
◄ نعيش في عالم مُزدحِم بالمثالية الزائفة.. والجميع يتألم بصمتٍ من جروحٍ خفية
◄ أواصل العمل مع الشباب وتمكينهم لأنهم طاقة لا تنضب
◄ أجد في الرسم مُتنفسًّا ولحظة هدوء وسط العاصفة
◄ معرضي الفني الأول ليس مجرد عمل إبداعي لكنه قصة عطاء إنساني لا محدود
أجرت الحوار: مدرين المكتومية
في زوايا الضوء الخافت؛ حيث تتقاطع الحكايات مع الشغف، وتتشابك الخطى مع الأمل، تُولد التجارب العظيمة من رحم التفاصيل الصغيرة. فليست البطولة أن تُسلَّط عليك الأضواء؛ بل أن تصنع من عطائك ضوءًا لغيرك، ومن إنسانيتك مرآة لقلوب الآخرين.
هذا الحوار ليس مجرد أسئلة وأجوبة؛ بل هو رحلة داخل روح امرأة آمنت بأنَّ التغيير يبدأ من الداخل، وأنَّ الصدق في النية يسبق كل إنجاز، إنِّها صاحبة السمو السيِّدة ميان بنت شهاب آل سعيد.
وبين الكلمات هنا، تختبئ طاقة تُشبه نسيم الفجر؛ خفيةً لكنها قادرة على تحريك الأشياء. نقترب سويًّا من تجربتها التي تفيض بالإلهام، ونستمع لصوت الصدق وهو يتجلى في حروفٍ تنبُض بالحياة.
◄ كل رحلة عظيمة تبدأ بخطوة.. كيف بدأت رحلتك في درب الأمل والعطاء؟ وما اللحظات التي شكَّلت وعيك في البدايات؟
- كانت الخطوة الأولى حين لمست فراغًا كبيرًا في المشهد الإبداعي؛ لم يكن هناك كيان يحتوي المُصمِّمين رغم تزايد عددهم وتنوع تخصُّصاتهم. وبعد تخرجي في برنامج التصميم الداخلي، التحقتُ بدورة تدريبية، لكنني صُدمت حين قيل لي إنني لا أستحق شهادة الدورة لأنَّي لست مُهندسة! لحظة قاسية لكنها أشعلت شرارة الفكرة.
انطلقتْ فكرة "الجمعية العُمانية للتصميم" عام 2016، وكنَّا أربعة فقط نجتمع بعد ساعات العمل لنحلم ونُخطط. كُنَّا مؤمنين بأنَّ المصممين ليسوا أفرادًا مشتتين؛ بل طيفٌ واحد بألوان متعددة. وبعد سنوات من المثابرة، أُعلن عنها بقرار وزاري عام 2023.. بعد يومين فقط من نيتي الانسحاب! وقتها شعرتُ بأنَّ القدر أراد أن يُعلمني ألا أستسلم أبدًا. وكل شيء يحدث في الوقت المُحدد كما كتبه الله لنا.
◄ عندما تواجهين العقبات، ما الذي يدفعك للاستمرار في طريق صعب؟
- الشغف وحده لا يكفي، لكنه كان البداية. ما يدفعني دومًا هو إيماني بأنَّ النفع الحقيقي هو ما يُخلَّد. لا أنسى برنامج "اجتماعاتي" الذي شاركته على منصة "إنستجرام" دون أن أعرف أصحابه، وبعد سنوات، التقيت بإحداهن؛ المؤسسة وصاحبة الفكرة، فقالت لي: "نُشر مشروعنا فانتشر، وخرج من حدود عُمان!". عندها أدركت أنه حتى أبسط الأفعال قد تصنع فارقًا كبيرًا؛ فالنجاح بالنسبة لي ليس بريقًا؛ بل أثر. أرجو من الله أن يجعلني نافعة، هذا كل ما أسعى إليه.
◄ كيف ترين توازن المرأة العُمانية بين العاطفة والمسؤوليات المهنية؟
- نعيش في عالم مزدحم بالمثالية الزائفة؛ حيث يبدو الجميع كاملًا.. لكن الحقيقة أنَّ الجميع يتألم بصمتٍ من جروحٍ خفية. المرأة بفطرتها قوية وذكية عاطفيًّا، لكن هذا لا يُفهم دائمًا. الطيبة لا تعني السذاجة؛ بل تعني شجاعة أن تكون على حقيقتك. والتوازن بين القلب والعقل ليس ضعفًا؛ بل مهارة عظيمة تتطلب فهمًا، إنصاتًا، وإنسانية. والمرأة القادرة على إدارة مشاعرها ومهامها هي بطلة في صمت.
◄ هل شعرتِ يومًا أنك لا تمشين في طريق؛ بل ترسمين معالمه وتتركين فيه أثرًا؟
- حدث ذلك دون أن أُدرك.. فمن خلال منصة إنستجرام، كنت أدعم المشاريع الصغيرة من منطلق شخصي تمامًا. لكن ما لم أكن أعرفه، أنَّ هذه المشاركات الصغيرة كانت نوافذ فتحها الله للناس. ثم جاء ترشيحي لجائزةٍ في لندن.. في البداية ظننتُها مجرد جائزة، حتى قرأت تفاصيلها، وفهمت أنَّ ما كنت أفعله ترك أثرًا حقيقيًّا. حين استلمت الجائزة قُلتُ: "هذه الجائزة لنساء لم يُسمع لهن، ممن لم يُمنحن فرصة، وهذه المنصة لَهُنَّ". لقد أردتُ أن أقول إنَّ كل عمل بسيط قد يصنع فارقًا عظيمًا.
◄ عندما تتطلعين إلى المستقبل، كيف ترسمين معالم المرحلة المقبلة على الصعيد المهني والاجتماعي؟
- في الميدان المهني، أحملُ بين يديْ مناصب قيادية تتطلب وعيًا إنسانيًّا، لا إداريًّا فقط. أحاول دائمًا أن أضع نفسي مكان الموظف، أتذكر بداياتي، وتحدياتي، كي أستطيع أن أحتوي الآخرين وأتفهمهم. أؤمنُ بأنَّ بيئة العمل الإيجابية تُصنع بالإنصات والمشاركة، لذلك حرصت على الاحتفال باليوم الوطني مع زملائي في مجلس التأمين.. كانت لحظة فرح بسيطة، لكنها زرعت روحًا جديدة في المكان.
أما اجتماعيًّا، فأنا أواصل العمل مع الشباب وتمكينهم، لأنهم طاقة لا تنضب. وقد وافقتُ مؤخرًا أن أكون متحدثةً في مؤتمر الموارد البشرية في صلالة، وأراها فرصة لبث رسالة صادقة للمجتمع؛ لأنَّ كل ورشة، كل فعالية، كل منصة، هي خطوة نحو بناء وعي أعمق ورؤية أكثر اتساعًا.
◄ ماذا تتمنين لعُمان؟ خصوصًا في سياق تمكين المرأة والشباب؟
- أحلم بأن يُرفع اسم سلطنة عُمان عاليًا، أن يتعرف العالم ليس فقط على تاريخنا الغني؛ بل على كفاءاتنا المعاصرة. والمرأة والشباب في عُمان يملكون إمكانات مذهلة، ولكن ما يحتاجونه هو "الاحتواء". فكم من مُبدع ذاع صيته في الخارج لأن الداخل لم ينتبه له!! يسعدني فوزهم ونجاحهم، لكنه يحزنني أن بعضهم لم يجد دعمًا هنا في وطنه. أطمح لخلق بيئة تُمكِّنهم، لتُنشئ قادة يحملون الراية وينيرون الدرب لمن بعدهم.
◄ هل هناك رسالة تحرصين أن تصاحبك في كل مبادرة تخوضينها؟
- رسالتي أن أُذكر الناس دومًا بأن في داخلهم قدرات تستحق أن تظهر، وأن تُدعم. أريد لمجتمعنا أن يكون شجاعًا، لا يخجل من إبداعه، ولا يختبئ خلف خوفه. أنا أؤمن بالتصميم، بالإبداع، وبأن الشباب هم أمل المستقبل.. وأتمنى أن أكون وسيلة تسهم في إشعال تلك الشرارة في داخلهم.
◄ التحديات التي لا تُرى ولا تُقال، كيف تخوضينها؟
- أغلب التحديات لا تُقال؛ بل تُحتمل بصمت. في العلن، أظهر بمظهر رسمي، أما في حسابي على منصة إنستجرام، فأكون "ميان" كما هي. أحب أن أشارك لحظات العفوية، وأكون على سجيتي. هناك من يرى أن على "صاحبة السمو" أن تكون بوجه واحد، لكنني أرفض ذلك. أريد أن يعرف النَّاس أنني إنسانة قبل كل شيء، لي ضعفي وفرحي وقلقي، وهذا ما يجعلني قريبة منهم.. لا صورة مُعلَّبة.
◄ كيف أسهمت العائلة والمحيط في تشكيل شخصيتك؟
- كان والديْ هما أول من آمن بي.. دعمٌ غير مشروط، حتى وهم قلقون عليّ. عندما قررت دراسة الماجستير قالت أمي: "ليش تعذبي نفسك مرة ثانية؟ ولماذا تُرهقين نفسك مرة أخرى"، لكنها تفهَّمت رغبتي. إخوتي وصديقاتي كانوا دومًا سندًا، وزملاء العمل رأوا "ميان" الحقيقية بعيدًا عن الألقاب.
اخترتُ الانتقال من التصميم الداخلي إلى إدارة الأعمال، لأنني أدركت أنَّ الإدارة، وفهم الناس، والتعامل مع طبائعهم المختلفة، مهارة لا تقل أهمية عن الإبداع. تعلمت كيف أطرح الأسئلة، كيف أحتوي، وكيف أسمع.. وهذا ما يصنع القادة.
◄ وسط الزحام والمسؤوليات، أين تجدين ملاذك النفسي؟
- أضع حدودي بوضوح: هذا وقت العمل، وهذا وقتي أنا. أحتاجُ للعائلة، للراحة النفسية، للرسم، الذي كان أولى هواياتي. لا أنسى كيف احتفظَ والديْ بلوحاتي التي رسمتُها في عُمر السابعة.. كان ذلك دافعًا قويًّا للاستمرار. الرسم مُتنفَّس، لحظة هدوء وسط العاصفة.
والسفر أيضًا ملاذٌ.. أحبُّ أن أزور مكانًا جديدًا كل عام. كمبوديا، على سبيل المثال، فتحت عيني على حجم النِعَم التي نحيا بها في عُمان. رؤية الفقر والجهل والبنية الأساسية المتدهوِرة هناك جعلتني أُقدِّر أكثر ما لدينا هنا؛ فالسفر يعلِّمنا الامتنان.
◄ من بين كل إنجازاتك، ما الذي تضعينه في قلبك ولماذا؟
- كل ما قمتُ به كان من أجل المرأة، والشباب، والمصممين، من خلال تسليط الضوء عليهم، ودعمهم، ومشاركتهم رحلتهم، وكل هذا بمثابة إنجاز لي. لكنَّ إنجازًا واحدًا يضيء في ذاكرتي أكثر من غيره، وهن معرضي الفني الأول عام 2021.
◄ حدثينا عن هذا المعرض، ما الذي جعله مميزًا لهذه الدرجة؟
- جمعتُ لوحاتي خلال عام كامل. وحين دُعيت لعرضها في أحد المراكز التجارية الكبرى، شعرتُ بالقلق.. هل سيُعجب الناس بما رسمت؟ فجأةً، أتى القرار: أن تذهب أرباح المعرض كلها لعمل خيري. تواصلتُ مع جمعية الرحمة، وسألتُهم عن المبادرة الأشد حاجةً. وقتها، كان التعليم عن بُعد يُرهق الأسر ذات الدخل المحدود، فقررتُ أن أرباح اللوحات ستُخصص لشراء أجهزة محمولة لأطفالهم.
في مزادٍ خيريٍ، بيعت اللوحات خلال ساعتين فقط، وجمعت 47000 ريال عُماني، واستخدمنا المبلغ لشراء 500 جهاز لوحي، تبرعنا بها لأطفال عُمان، بالتعاون مع شركة عُمانية شابة اسمها "عُنصر"؛ لذا بالنسبة لي لم يكن ذلك مجرد معرض؛ بل كان قصة عطاء.
◄ ما الحلم الذي لا يزال حيًّا في قلبك؟
- أن تُصبح الجمعية العُمانية للتصميم بوابة عُمان إلى العالم. أن يُعرَف الإبداع العُماني، ليس فقط لجماله، بل لما يحمله من هُوية وعمق وتراث. عُمان تزخر بتاريخ عريق، وإذا استطاعت دول بلا تاريخ أن تتصدر الساحة، فلِمَ لا نفعل نحن ذلك لأننا أصحاب تاريخ وتراث؟ الجمعية يمكن أن تكون صوتًا عالميًّا يروي حكاية التصميم من قلب عُمان.
◄ بعيدًا عن الأضواء، كيف تقضين يومك كشخصية عادية؟
- أبسط الأشياء تعني لي الكثير.. الجلوس مع جدتي، وقضاء الوقت مع الأهل، أو الرسم صباح الجمعة بينما أستمع للبودكاست. أحب أن أكون قريبة من الأرض، من التفاصيل، من الناس.
◄ هل هناك كِتاب أو شخصية أثَّرت فيك؟
- كثير من الكتب تركت أثرًا، لكن كتاب "السماح بالرحيل" غيَّر طريقة تفكيري بالكامل؛ حيث وجدتُ فيه انسجامًا مع تعاليم ديننا، وتعلمت كيف أخلي مساحة في داخلي لما هو أهم.. وهو السلام.
◄ ما الذي تودين أن تهمسي به لكل امرأة عُمانية اليوم؟
- رحلة النجاح لا تأتي على طرق مفروشة بالورود.. ولكن فيها العثرات والدروس، وكل ما تحتاجينه هو أن تنهضي مُجدَّدًا، وأن تختاري مُحيطك بوعيٍ؛ فالمجتمع يؤثِّر، والناس من حولك يصوغونكِ دون أن تدري. ولكل امرأة، أهمس: "لا تخافي من دعم غيرك من النساء".