◄ الجهوري: المشرع وجّه الدعم للفئات الأكثر تأثرًا بفقدان المُعيل
◄ الفليتي: المنافع الاجتماعية تكمل بعضها البعض لتغطية احتياجات الأسر المستحقة
◄ العوضي: "معاش الوفاة" يُسهم في تقليل الصدمة الاقتصادية لكنه غير كافٍ
◄ العمري: ضرورة إعادة النظر في نسبة معاش المتوفى أو تخصيص دعم إضافي للفئات الأكثر تضررًا
الرؤية- سارة العبرية
أجمع عدد من القانونيين والمواطنين على أنَّ معاش الوفاة يُمثل ركيزة أساسية للأمان الاجتماعي في سلطنة عُمان؛ إذ يضمن استمرارية الدخل للأسر بعد فقدان المُعيل، ويُسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل الأسري.
وأشاروا- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إلى وجود العديد من التحديات التي تُواجه المستحقين لمعاشات الوفاة، وأبرزها محدودية قيمة المعاش مقارنة بارتفاع تكاليف المعيشة، ما يستدعي مراجعة دورية لضمان حياة كريمة للمستحقين، خاصة الأرامل والأيتام وكبار السن.
وبنهاية يوليو 2025، بلغ عدد معاشات الوفاة النشطة 460235، وكان عدد المستحقين من الأزواج والزوجات 33461، ومن الأبناء والبنات 58255، ومن الآباء والأمهات والإخوة والأخوات 9388، بإجمالي 101104 مستحقين.
الأمان الاجتماعي
وقال الدكتور أحمد بن سعيد الجهوري محامي ومستشار قانوني، إن معاش الوفاة يمثل حجر الأساس للأمان الاجتماعي؛ إذ يُترجم مفهوم العدالة الاجتماعية والتكافل الأسري إلى واقع قانوني يضمن استمرارية دخل للأسر بعد فقدان العائل، مضيفًا أنَّ قانون الحماية الاجتماعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 52/2023، أعاد صياغة قواعد الاستحقاق ووسع مظلة الحماية لتشمل شرائح أوسع من المجتمع وفق أسس وضوابط قانونية.
وأوضح: "عرّف المشرع في المادة (1) من قانون الحماية الاجتماعية (المعاش) بأنه: (المبلغ المستحق صرفه شهريًا بموجب أحكام هذا القانون لصاحب المعاش أو للمستحقين عنه)، وبذلك أكد المشرّع أن الحق في المعاش لا يتوقف عند المؤمن عليه فحسب؛ بل يمتد إلى من يعولهم بعد وفاته، وهو ما يضمن انتقال الحماية الاجتماعية إلى الورثة أو المستحقين عنه.
وذكر الجهوري أن نصوص القانون جاءت واضحة في تحديد الفئات المنتفعة، فالأرملة: نصت المادة (35) على أن استحقاق الأرملة يتوقف في حال زواجها، ولا يُعاد الصرف إلا إذا ترمّلت مرة أخرى، على أنَّ المادة اشترطت أن تكون عُمانية، وأن لا تكون بلغت سن كبار السن، وأن تكون مُقيمة في السلطنة، أما الأيتام: فأوضحت المادة (33) أن منفعة الأيتام تُصرف بواقع (80) ريالًا عُمانيًا شهريًا لكل يتيم بحد أقصى، مع استمرار الصرف حتى بلوغ سن 18؛ فهذه النصوص تكشف رغبة المشرع في توجيه الدعم للفئات الأضعف (الأطفال، الأرامل، كبار السن)، بوصفهم الأكثر تأثرًا بفقدان المعيل".
وفي السياق، يؤكد الدكتور سالم بن سلام الفليتي أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك، أن قانون الحماية الاجتماعية من القوانين المتجددة والمتطورة بتطور الواقع والأحوال، حيث جاءت التعديلات لتتناسب مع مستجدات الحياة، كما أن القارئ لتلك التعديلات يلاحظ أنها معنية بالتدرج في تطبيق القانون، والمُؤطَّرة بالمادة (6) من إصدار القانون وجميعها تزيد من مد نطاقها الزمني؛ سواء فيما يتعلق بتطبيق أحكام فرع التأمين عن إصابات العمل، والأمراض المهنية على العمال غير العمانيين، أو فيما يتعلق بفرع تأمين إصابات العمل والأمراض المهنية على العمانيين العاملين في السلطنة، مبينًا: "المشرع هنا يرغب في الاطمئنان لحسن تطبيق القانون، فكان توجهه إلى مد نطاق تطبيق الأحكام المعمول بها قبل هذا القانون ثم يأتي القانون ليستكمل منطوق الحماية في هذه الجوانب".
نفقات الأُسرة
وأشار الفليتي إلى أنَّ قانون الحماية الاجتماعية يُجسّد هذا المفهوم بتغطية نفقات الأسرة عبر نصوص قانونية ديناميكية، مضيفًا: "لا يُمكن بحال من الأحوال القول إن منفعة ما لا تكفي لتغطية مجال من مجالات الأسرة، وذلك لأنَّ هذه المنافع متعددة ومتنوعة وتكمل بعضها البعض في مجموعها منفعة قادرة على تحقيق الحماية الاجتماعية للأسرة، هذا من جانب، ومن جانب ثانٍ، أجاز قانون الحماية الاجتماعية من وقت لآخر، تعديل قيمة هذه المنافع بقرار يصدر من مجلس إدارة الصندوق -بعد موافقة مجلس الوزارة- في ضوء دراسة يجريها الصندوق كل عامين، ومن جانب ثالث، أفرد المشرع للأسرة ضمانة أخرى، في الفصل السادس وتحديدًا في المواد من (39) إلى (45) وأسماها منفعة دعم دخل الأسرة، وهذا الفصل فيه العديد من الموجبات الحمائية للأسرة، وجاء بنصوص مرنة تحمي الأسرة، وتراعى مستجدات واقعها".
كما يلفت إلى أن النصوص والأحكام المنظمة لمعاش الوفاة قادرة على تأمين حمائي لأسرة المتوفى، ومتى كانت غير ذلك، فتكملها نصوص أخرى تنظم منافع لهذه الأسرة، وبالتالي ليس هناك حاجة لتعديلها أو تحديثها في الوقت الحالي، موضحًا : "لا يمكن بحال من الأحوال استغلال الأسر المستحقة لمعاش الوفاة، أو أي منفعة أخرى نصَّ عليها قانون الحماية الاجتماعية، أو أي قانون آخر، ولنا في ذلك آيات عديدة منها، أن القانون ألزم كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة وغيرها، وهذا في حد ذاته حماية استباقية من عدم استغلال الأسرة المستحقة لمعاش الوفاة، لكن في المقابل يستلزم من هذه الأسر معاصرة القانون ومعرفة أحكامه، خاصة فيما يتعلق ببعض النصوص، كما هو الحال فيما يتعلق بمدة سقوط حق المنتفع أو المؤمن عليه أو المستحقين عنه في المطالبة بما يستحقونه، حيث إن هذه الحقوق تسقط بانقضاء خمسة أعوام من تاريخ الاستحقاق".
ولقد نظمت المادة (113) من قانون الحماية الاجتماعية نسب توزيع المعاش وتقسيمه بالتساوي بين المستحقين؛ إذ تحدد قيمته بـ100% إذا كانوا 3 فأكثر، و80% إذا كانوا اثنين، و60% إذا كان مستحقًا واحدًا، مع ملاحظة أن الصرف يبقى بنسبة 100% لمدة ستة أشهر بعد الوفاة، كما تجيز المادة (114) الجمع بين المعاشين المستحقين للابن أو البنت عن الوالدين، كما يجمع للأرمل/الأرملة بين النصيب عن الزوج المتوفى ومعاش التقاعد المستحق له.
ويؤكد المواطن أحمد بن عبدالعزيز العوضي أنَّ معاش الوفاة في سلطنة عُمان لعب دورًا بارزًا في تخفيف آثار فقدان المُعيل، وأسهم في تأمين حدّ من الاستقرار المعيشي للأسر المحتاجة، ومع ذلك، كان التأثير متفاوتًا بين الأسر، متأثرًا بعوامل مثل حجم الأسرة، قيمة المعاش، والالتزامات المالية".
الاستقرار المالي
وأشار إلى أنَّ من أبرز سمات هذا التأثير: الاستقرار المالي الجزئي؛ حيث قدم المعاش دخلًا ثابتًا يسهم في تقليل حدة الصدمة الاقتصادية، لكنه في كثير من الأحيان لا يكفي لتغطية كافة نفقات الأسرة، أيضًا الحماية الاجتماعية؛ فساعد هذا المعاش في إحباط انزلاق بعض الأسر إلى مستويات أشد فقرا، مضيفا: "شعرت الأسر الصغيرة بتأثير المعاش على حياتهم، لكن لم يحدث فارقًا مع الأسر الكبير، لكن بصفة عامة، المعاش لا يكفي متطلبات الحياة، خصوصًا في ظل الارتفاع المُتزايد لتكاليف الحياة والتضخم المستمر في أسعار السلع والخدمات، والسبب وراء ذلك أن محدودية الدخل الثابت تلعب دورًا محوريًا؛ حيث إن المعاش غالبًا ما يكون مبلغًا ثابتًا لا يتماشى مع الزيادات الدورية في الأسعار، أما الالتزامات المعيشية؛ فتتطلب من الأسر نفقات على الغذاء، السكن، التعليم، الصحة، والمواصلات، مما يجعل هذه المتطلبات تتجاوز بكثير قيمة المعاش. وأيضًا، تختلف الظروف الفردية؛ فلا تكفي أسرة صغيرة للمعونة، بينما قد تحتاج أسرة كبيرة أو من يُعاني من أمراض مزمنة إلى موارد أكثر بكثير".
وأوضح العوضي "تتجلى أهم التحولات التي يمكن أن تُحدث الفارق في نظام معاش الوفاة، مما يجعله أكثر توافقًا مع التكاليف المتزايدة للحياة، في النقاط التالية: أولًا، ينبغي زيادة قيمة المعاش بشكل دوري من خلال ربطه بمؤشرات التضخم أو بتكاليف المعيشة المُتزايدة، لضمان استمرارية الدعم. ثانيًا، يُمكن إدراج بدلات إضافية مثل بدل التعليم للأبناء، وبدل الرعاية الصحية للمسنين، لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي. ثالثًا، يتوجب توسيع نطاق التغطية ليشمل المساعدات الطارئة أو الدعم السكني، لتلبية احتياجات الأسر في أوقات الأزمات. رابعًا، يجب أن تتمتع آلية التوزيع بالمرونة، حيث تتناسب مع عدد المستحقين وأعمارهم، مما يستدعي منح دعم أكبر للأسر التي تحتضن الأطفال الصغار. وأخيرًا، من الضروري تأسيس برامج مساعدة موازية، مثل التدريب والتوظيف للأرامل والأبناء البالغين، لتمكينهم من بناء مستقبل يعتمدون فيه على أنفسهم".
عدالة أكبر
وأشار العوضي إلى أن إعادة توزيع معاش الوفاة بموجب القانون الجديد تهدف إلى تحقيق عدالة أكبر من خلال ضمان نصيب عادل لكل فئة (مثل الأرملة، الأبناء، الوالدين وغيرهم)، موضحًا: "لكن مدى الإنصاف يرتبط بشكل وثيق بتفاصيل التطبيق: سيكون إيجابيًا إذا ضمن عدم حرمان أي طرف هش كالأيتام أو الوالدين المسنين، وقد يُعتبر غير كافٍ إذا تم تقليص نصيب فئة تعتمد بشكل كامل على المعاش، كالأرملة التي تفتقر لمصدر دخل، لذا، فهي خطوة نحو تحقيق العدالة التوزيعية، لكن التحدي الحقيقي يبقى في إيجاد توازن دقيق بين الإنصاف وملاءة الدعم الفعلي لتغطية مصاريف الحياة".
وبيّن العوضي يمكننا أن نُشخص التبعات المستقبلية لنظام معاش الوفاة على الأجيال المقبلة من أبناء المستحقين في مسارين متوازيين، فمن ناحية الإيجابيات
وأكد العوضي أنَّ المعاش يضمن للمُستحِقين مستوى الأمان في جوانب المعيشة والتعليم والرعاية الصحية، كما يُخفف من احتمالية انزلاقهم إلى براثن الفقر المدقع بعد فُقدان المعيل، إضافةً إلى ذلك، يسهم هذا النظام في تعزيز الاستقرار الأسري والاجتماعي على المدى الطويل، لكن هناك العديد من التحديات، مُبيِّنًا: "إذا لم يتم مراجعة قيمة المعاش بصفة دورية لمواكبة ارتفاع تكاليف الحياة، فقد يصبح هذا المعاش غير كافٍ لتلبية الاحتياجات، واعتماد بعض الأسر بشكل شبه كامل على المعاش قد يقلل من الحافز نحو العمل والإنتاجية، أيضًا قد يؤدي تزايد أعداد المستفيدين إلى ضغط مالي كبير على صناديق التقاعد ما لم تُعزز استدامتها، وستكون النتيجة المتوقعة بمثابة شبكة أمان مهمة للأجيال القادمة، إلا أن فعاليته ستعتمد بشكل كبير على تطوير التشريعات، وضبط قيمته وفقًا لمعدلات التضخم، وربطه بسياسات دعم التعليم وتوفير فرص العمل، حتى لا يتحول إلى مورد محدود لا يفي بالاحتياجات".
غياب البدائل
بدوره، قال المواطن نايف بن سالم العمري: "في ظل التحديات الاقتصادية الحالية وارتفاع تكاليف المعيشة، فإن تقليص معاش المتوفى إلى 60% وفق قانون الحماية الاجتماعية الجديد سيؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسر، خصوصا الأرامل والأبناء وكبار السن الذين يعتمدون كليًا على هذا الدخل، مؤكدا: "هذه النسبة لا تواكب الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية مثل الغذاء، التعليم، الصحة، والإيجار، والتحدي الأكبر هو غياب البدائل، خاصة مع ارتفاع نسب البطالة وصعوبة الحصول على دخل إضافي".
وتابع قائلا: "من الضروري إعادة النظر في هذه النسبة، أو تخصيص دعم إضافي للفئات الأكثر تضررًا لضمان كرامة العيش واستقرار الأسرة".