سالم البادي (أبو معن)
كشفت حرب غزة عن القناع المزيف للأمم المتحدة عبر تواطؤها وعجزها وفشلها الذريع في حماية المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ في القطاع، وتقديم المساعدات الإنسانية الأساسية.
واصلت هيئة الأمم المتحدة فشلها حتى اللحظة في وقف هذه الحرب الصهيونية الشعواء الوحشية والإبادة الجماعية والمجازر الإنسانية المستمرة منذ عامين، فضلًا عن عدم وقف المجاعة التي تسبب فيها هذا العدو الصهيوني الهمجي عدو الإنسانية بلا منازع.
إن ميثاق الأمم المتحدة يكلّف الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بصون السلم والأمن الدوليين، ودعم القانون الدولي، وتحقيق «مستويات معيشية أفضل» لمواطنيها، ومعالجة «المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها»، وتعزيز «الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ومراعاتها دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين».
ويبرز فشل هيئة الأمم المتحدة في حل النزاعات بشكل مؤثر، وخاصة في سوريا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكيف يتدخل "الفيتو" الذي يُمنح للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لعرقلة القرارات التي تحمي الأرواح المدنية وتصون كرامة الإنسان.
لم تنجح هيئة الأمم المتحدة في تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في تجنّب الحروب أو وقفها، مما يثير مخاوف الكثيرين من تكرار نفس الأخطاء، ويقلل من مصداقيتها ويثير التشكيك في عملها.
وتمتلك القوى العظمى، مثل الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، نفوذًا كبيرًا في الهيئات والمنظمات الدولية، ويتجلى ذلك في هياكل مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يمتلك الأعضاء الدائمون حق النقض (الفيتو) الذي يسمح لهم بالتأثير في القرارات. ويعود هذا النفوذ إلى قدراتهم الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية الهائلة التي تسمح لهم بفرض إرادتهم وتوجيه السياسات العالمية، رغم وجود جهود لتعزيز مبدأ المساواة بين الدول في مؤسسات أخرى مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تاريخيًا، كانت عصبة الأمم نفسها قبل هيئة الأمم المتحدة نتيجة لتلك الرؤية في تأسيسها. أُنشئت عصبة الأمم عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919، وضمت في مجلسها التنفيذي قوى الحرب العالمية الأولى المنتصرة.
وأُنشئت هيئة الأمم المتحدة (خلفًا لعصبة الأمم) كمنظمة حكومية دولية عالمية بموجب توقيع ميثاقها في 26 يونيو 1945، وتم إنشاؤها بهدف منع الحروب مستقبلًا، وهذا عكس الواقع الذي حدث فيما بعد وما زال يحدث حتى يومنا هذا. وقد وصفها كثيرون بأنها غير فعّالة ومتحيّزة وفاسدة، وأنها أُنشئت من أجل مصالح وأجندة القوى العظمى العالمية.
أدى التفوق الاقتصادي والمالي إلى منح القوى العظمى قدرات اقتصادية هائلة مكّنتها من التأثير في الأسواق والسياسات الدولية، فضلًا عن ترسيخ مكانتها في المنظمات الاقتصادية الدولية العالمية.
إن العالم الذي وقف متفرجًا مُشاهِدًا أهوال الموت والدمار والإبادة الجماعية والتجويع والتعذيب والمجازر الإنسانية المستمرة في قطاع غزة على مدار عامين، لهو دليل قاطع على أن هذه المنظومة الدولية ليست إلا عاملًا أساسيًا مشاركًا في إبادة شعب أعزل، وذلك بسبب عدم فاعليتها وأدائها دورها الإنساني الذي نص عليه ميثاقها الأممي في حماية أرواح المدنيين وإرساء الأمن والسلم حول العالم وحفظ الحريات.
فقد اختارت هذه المؤسسة الدولية الصمت، بل وإعطاء آلة الحرب الصهيوأمريكية الغربية الضوء الأخضر في استمرار قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير كل شيء له علاقة بالحياة، فدمّرت الحجر والشجر والبشر. وبعد مرور ما يقارب عامين من صمود الشعب الغزي، استخدمت قوات العدو الصهيوني – بمباركة أمريكية غربية – "سلاح التجويع" المحرّم دوليًا وإنسانيًا، فذهب ضحيته أعداد كبيرة من الأطفال الأبرياء نتيجة شُحّ المياه النقية ونقص الأدوية والطعام.
مع ذلك يتساءل الفلسطينيون: أين دور هيئة الأمم المتحدة المسؤولة عن حماية المدنيين؟ وأين دور المنظمات الحقوقية والإنسانية في الدفاع عن تلك الفئة الضعيفة في هذه البقعة الصغيرة من الأرض؟
لا أحد يحرّك ساكنًا؛ فخيم الصمت في المجتمع الدولي واكتفى بمشاهدة المجازر اليومية والإبادة الجماعية المستمرة. بل حتى القوافل الإنسانية لم تسلم من نيران العدو، وكذلك طواقم الإسعاف والجمعيات والمؤسسات الخيرية الإنسانية التي ظلّت صامدة صابرة محتسبة تؤدي عملها الإنساني.
يحظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة العسكرية بين الدول أو التهديد بها إلا في حالات الدفاع عن النفس أو تحت مظلة الأمم المتحدة وفق البند السابع. وقد استدعت بعض أشكال الصراعات الدولية تدخلات جديدة من المجتمع الدولي لوقف بعض الجرائم، وخاصة تلك التي تندرج تحت الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو جرائم الحرب.
إذن، لماذا لم يُفعَّل البند السابع لوقف الإبادة الجماعية في غزة حتى الآن بعد مضي عامين؟
بدأ مفهوم التدخل "لأسباب إنسانية" منذ القرن التاسع عشر، عندما تدخلت الدول الأوروبية لحماية الأقليات المسيحية من "الاضطهاد" المزعوم الذي مارسته الدولة العثمانية في اليونان عام 1827، كما تدخلت فرنسا لحماية الأقلية الدرزية في لبنان عام 1860.
سمحت الأمم المتحدة لبعض الدول أو التحالفات بالتدخل العسكري في دول أخرى لحماية "حقوق الإنسان"، كما هو الحال في منطقة الحظر الجوي التي فرضتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا في شمال العراق عام 1991؛ وذلك بهدف حماية الأقلية الكردية من انتهاكات حقوق الإنسان التي تسبب بها النظام العراقي. فركّزت هذه العمليات على حماية المدنيين شمال العراق متجاهلة في ذات الوقت حمايتهم في جنوب العراق!
بالمقابل، لم تلقَ كل من رواندا وكوسوفو نفس الاهتمام الدولي الذي أُولي للعراق في ذاك الوقت، وتُرك المدنيون تحت وطأة جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وقد تجاهل المجتمع الدولي الانتهاكات الكبيرة تجاه المدنيين في رواندا، بينما تدخلت قوات الناتو في وقت متأخر في كوسوفو دون غطاء قانوني، فقد كان الهدف من هذا التدخل سياسيًا لإعادة القوات الصربية إلى طاولة المفاوضات.
فهل سيكون مصير غزة مثل رواندا وكوسوفو كذلك؟ هل ينتظر المجتمع الدولي حتى تُزهق أرواح مليوني إنسان عبر الترسانة الحربية الصهيوأمريكية؟
ويتساءل الكثيرون: لماذا تُركت هيئة الأمم المتحدة يتحكم بها بعض قوى الشر والطغيان؟ هل بسبب القوة العسكرية لتلك الدول العظمى؟ أو بسبب الصمت المخزي للدول والشعوب؟
أين دور أو صوت 193 دولة في هيئة الأمم المتحدة؟ لم نسمع لها حسًّا ولا همسًا. أين الضمير الإنساني العالمي لحقوق الإنسان والحريات؟ أين قانون السلم والأمن الدوليين الذي يتغنى به مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومنظماتها؟ أين حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ أين صون كرامة الإنسان؟