المعلومات وإسرائيل والمؤامرة

 

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

سمِعنا كثيرًا ولا تكاد تمر علينا عدة أيام إلا ونسمع عن ما يُعرف بـ"نظرية المُؤامرة" لا سيَّما العام الماضي وهذا العام، مع احتدام الأحداث التي نُعايشها يوميًا وهي مِفصلية كما هو متوقع؛ إذ باتت فكرة التآمر تُشكل جزءًا من وعي مستخدمي شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"؛ حيث يأتي هذا الاستخدام في أشكالٍ متنوعة وطرقٍ متعددة ذات أثر مُباشر على أسلوب الحياة والأعمال، وقد بدأ ذلك التأثير باتخاذ طريقهُ بتدرجٍ بطيء بعد مشروع إربانت التجريبي عام 1969 وتسارع منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ولكنه بقي محدودًا في نطاق الخبراء والمُهتمين فقط، إلا أنَّ وتيرة التسارع ازدادت نسبيًا مع بداية التسعينات إلى أن أصبح من الصعب تخيُل العالم بدون إنترنت في يومنا هذا؛ بل إن انقطاعه لا يقِّل قلقًا عن انقطاع الكهرباء والماء.

بالطبع ليس حديثنا هنا عن تاريخ الإنترنت وبروتوكولات شبكة الويب، ولكن ما نود الإشارة لهُ بالأهمية هو دخول التِجارة على الخط وغالبًا ما تُرصد في كُل شيءٍ مادي له علاقة بالإنسان وحياتهِ، وما أن تدخل التجارة حتى تجُر معها الكثير من النَزعات والنزاعات في سباق الكسب من خلال تقديم ابتكاراتٍ جديدة ومُتعددة وخدماتٍ واسعةٍ ومُتنوعة، وإلى هنا ولازلنا في نطاق التنافس وتكافؤ الفُرص مع ما بدأ يلوح في أفق عام 1995 البعيد من أخطار، ولكنها أخطار أقرب للوهم منها للحقيقة، نظرًا لعدم قابلية رصدِها لنُدرةِ الدراسات التي تُؤكدها إلا ما جاء على سبيل التوقعات والاحتمالات، فضلًا عن قِلة المُستخدمين لعدم وجود جهاز حاسوب مُتصل بالإنترنت في متناول كل فرد.

مع بروز المخاوف بعد أن تأكد عام 2000 وصاعدًا إمكانية نشوء أخطارٍ تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية فبلا ريب أن بعض القُوى والكيانات الدولية هي من سيتنبه لها ولأخطارٍ أخرى تُهددها بعد أن تكشَّفت الحقيقة على كمٍ هائلٍ من المعلومات المُتبادلة مع الزيادةِ السريعة لعدد المُستخدمين حول العالم، وبما أن التِجارة وجهٌ مضيء للقمر فإنَّ السياسة ومؤامراتها هي الوجه المُعتم الذي لا يظهر في الصورة مع الإقرار بوجوده، ولم تتردد تلك الكيانات الظلامية في السيطرة على منابع المعلومات لأنها تُشكِّل عامل قوةٍ يُؤهلها لفرض هيمنتها على العالم وإلا سيفلت من يدها زمام التحكُّم، وكان لزامًا على تلك القوى السماح لكل أنواع الأفكار والثقافات للتعبير عن رأيها وما يجول بدواخلها حتى تسهُل عملية ترشيح المعلومات المُنسابة واستغلالها وتوجيهها لصالحها، ولعلي بدأت هنا في التلميح إلى وجود مُحركاتٍ خفية لها إمكانياتٍ كبيرة في التحكُّم بمجرياتِ الأحداث وبشكلٍ استباقي قد لا يُعلم به في حينهِ إلّا بعد مرور فترةٍ طويلةٍ من الزمن.

جاءت النقلة النوعية التي ستُغير مفهوم الاتصالات جذريًا عندما اندمجت خدمات شبكة المعلومات بالهاتف المحمول، أو بمعنى آخر عندما تحول الإنترنت من المحدوديةِ الحصرية والثابتة إلى السماحيةِ المُطلقة والمُتنقلة ولكنها لابد أن تبقى تحت المُراقبة خصوصًا من الكَياناتِ التي تخشى على نفسها الزوال، فإذا ما أرادت البقاء فيتوجبُ عليها معرفة كل ما يدور من حولها ولعلَّ سيل المعلومات المُتعاظم هو جُل ما تخشاه لذلك تبذُل الغالي والنفيس للاستحواذ والسيطرةِ عليها بصرف النظر عن الكيفيات والأخلاقيات، فتلك أمور ثانوية في الصراع من أجل البقاء أو على الأقل البقاء لأطول فترةٍ مُمكنة.

عندما كان الارستقراطيون الإنجليز كعادتهم يحاولون التدخل في الحرب الأهلية الأمريكية لكسب النفوذ في العالم الجديد نشأت فكرة عامة لدى الأمريكيين بأن أولئك الدخلاء يجعلون أمريكا ضعيفة، ولذلك وصفت صحيفة نيويورك تايمز عام 1863 الأمر باسم "نظرية المؤامرة" وشاع منذ حينها ذلك المُصطلح، مع أنَّ الحديث عنه كان محظورًا في عالم الإنترنت حتى 25 عامًا ماضية لوجود يدٍ خفيةٍ تتحكم بمُجريات الأحداث وتخاف الزوال على نفسها، إلّا أنها تداركت الأمر سريعًا وقالت: اجعلوا من نظرية المؤامرة مِلف معلومات عملاق وقابلا للتداول بحيث يختلط به الحق والباطل، فيصبح الناس في أمرٍ مريج بين التأكيد والتصديق والتشكيك والتكذيب.

فهل كانت أحداث المِحرقة النازية حقيقة فعلية أم أريد تضخيمها؟! وهذا ما يجيب عنه الكاتب الألماني هربرت شفيجل الذي حاربته الصهيونية حتى كسرت شوكته وأخفت مؤلفاته ولن نجد لها اليوم من أثرٍ على الإنترنت؛ لأن السيطرة على المعلومات يتم توجيهها لخدمة الكيانات المبنية على باطل وهي تعلم رخاوة بنيانها، وإلا ما هو تفسير الحملة الإعلامية المحمومة لاغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي عام 1963 وإدراج أحداثها ضمن المؤامرة؟! طبعًا هو بغرض إخفاء الحقيقة التي ظهرت جليةً هذا العام بعد السماح بنشر المعلومات وكل أصابع الاتهام تُشير إلى ضلوع الكيان الظلامي في الجريمة وبشهادة الخبراء، وسوف نلاحظ قريبًا أن فضيحة جزيرة جيفري إبستين بدأت بالدخول تدريجيًا إلى ملف نظرية المؤامرة لأنها تحوي أشهر الشخصيات العالمية وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

خرج علينا المُستشار الألماني الأسبوع الماضي وهو يجهش بالبكاء كالثكالى في ذكرى المِحرقة فما هي دوافعه؟! بينما مئات الآلاف ممن قتلتهم إيطاليا في ليبيا والحبشة، ومثلهم مرتين في الجزائر على يد الفرنسيين وممن يُقتلون اليوم في غزة على يد الإسرائيليين لا تُحرك ساكنًا في مشاعر المُستشار الحساسة ومن هم على شاكلته، لكن توجيه المعلومات لتصيب الوعي العالمي هو دأب تلك القُوى التي لم تعد خفيةً، وتبدو رسالة الترهيب العلنية لاغتيال تشارلي كيرك في العاشر من الشهر الجاري واضحة الدلالة، وإلا ما هو تفسير ظهور نتنياهو سريعًا وفي عدة مناسبات وهو ينفي ذلك عن إسرائيل ويتهم قطر في الضلوع بالتآمر؟!

بالتأكيد هو سوق الرأي العام إلى حظيرة المؤامرة لتغييب الحقيقة، فهل بقي لدينا شك في المُخططات الصهيونية والأمريكية للهيمنة على معلومات العالم ثم استغلالها بعد أن قال نتنياهو قبل أيام: "إذا كان لديك هاتف محمول فأنت تحمل قطعة من إسرائيل في يدك؟!"ـ وأعتقد أنه لا حاجة للتذكير بعملية "البيجر" في لبنان!!

الأكثر قراءة