د. محمد بن عوض المشيخي **
نجحت القيادة السعودية بحكمة واقتدار؛ وبكل المقاييس في توقيع مُعاهدة دفاعية تاريخية مع باكستان وهي دولة إسلامية نووية شقيقة؛ يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية من اختراقات أمنية واستباحة للأمن الخليجي والعربي المشترك؛ كون أن جمهورية باكستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك مظلة نووية قوية، أرهبت جميع أعضاء النادي النووي العالمي، بفضل امتلاكها أسلحة نووية؛ حيث تُشير التقديرات إلى استحواذ إسلام آباد على أكثر من 170 رأسًا نوويًا، متجاوزةً بذلك أعداءها؛ كترسانة الهند الهندوسية والكيان الصهيوني.
الأمن القومي العربي الذي يعود إلى عقود مضت لم يكن أكثر من حبر على ورق في أفضل أحواله؛ فالدول العربية التي تملك جيوشًا قوية أصبحت عاجزة عن حماية أمنها وأمن جيرانها من العربدة الإسرائيلية منذ توقيع ما يُعرف باتفاقيات السلام الكاذب، والتي عبارة عن تطبيع مجاني واستسلام للعدو الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تفريق الأمة وتدمير وتفكيك الجسم العربي، والقضاء على وحدة الشعوب العربية وخذلان المقاومة الفلسطينية التي تجاهد لتحرير المقدسات الإسلامية، والتمهيد لإقامة إسرائيل الكبرى على أراضي خمس دول العربية إضافة إلى فلسطين المُحتلة، وذلك في إطار التبشير بالمشروع الصهيوني الذي يهدف إلى إذلال الأمة والعبث بمقدساتها واضطهاد شعوبها؛ بل واعتبارهم عبيدًا مثل الدواب يمكن الركوب على ظهورهم لخدمة الصهاينة، حسب الخرافات والأكاذيب التلمودية العنصرية.
لا شك أنَّ هذه الاتفاقية المباركة، تعد ضربة معلم ونجاحاً غير مسبوق للأمير الشاب المقدام محمد بن سلمان آل سعود؛ فقد نصت هذه المعاهدة على أنَّ "الاعتداء على أي منهما هو اعتداء على كليهما"، ومضمون هذه العبارة يتطابق مع النص الداخلي لوثيقة "الناتو" للدفاع المشترك بين أعضاء حلف شمال الأطلسي، الذي يعد أكبر تحالف عسكري ناجح في العالم. ويجب تذكير الجميع بأن ملوك السعودية المتعاقبين كانت لهم اليد الطولى في تمويل القنبلة الذرية الباكستانية منذ كانت فكرة في عهد ذي الفقار علي بوتو رئيس الوزراء الباكستاني المعروف، والذي قال: "إذا صنعت الهند القنبلة الذرية، فسوف نصنع نحنُ القنبلة حتى لو اضطررنا لأكل العشب". ووصولًا إلى دخولها النادي النووي بشكل رسمي، ليس بالمال السعودي فقط؛ بل وأيضا بتسهيل الحصول على العناصر الأساسية لصناعة أول قنبلة ذرية إسلامية، من هنا قال الزعيم الباكستاني ضياء الحق في زيارته للسعودية في فترة حكم الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود في الرياض بعد تحقيق الغاية الكبرى: "إنجازنا هو لك".
والسؤال المطروح الآن: ما أسباب ودوافع هذه الاتفاقية المُفاجئة للجميع؟
هناك العديد من الأسباب التي جعلت من المملكة العربية السعودية تتجه شرقًا في إطار الأحداث الخطيرة التي تُخيِّم على منطقة الشرق الأوسط. ولعل أبرز هذه التطورات، هو الاعتداء الآثم على واحدة من أهم عواصم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تربطها معاهدة تعاون عسكري مع أمريكا، وعلى الرغم من وجود قاعدة العُديد الأمريكية التي تعتبر أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، وتعرف كل شاردة وواردة في السماوات والأرض بالمنطقة، إلّا أنها لم تُبلغ قطر أو تمنع الاعتداء الذي قاده مجرم الحرب المطلوب محاكمته في محكمة الجنايات الدولية بنيامين نتنياهو، الصديق المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتشير تقارير إعلامية نقلًا عن مسؤولي استخبارات إلى أنَّ ترامب كان على علم باستهداف قادة حماس الذين يناقشون الورقة الأمريكية الخاصة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة أثناء اجتماعهم بالدوحة في مقرهم السكني.
كما إن محاولة السعودية عقد اتفاق دفاعي مشترك مع الولايات المتحدة قد اصطدم بشرط تعجيزي وهو التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني؛ مما ترتب عليه رفض المملكة لذلك الشرط قبل تحقيق قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
ومن أهم الأسباب التي شجَّعت المملكة على التعجيل بهذه الاتفاقية النجاح الكبير للصواريخ والأنظمة الدفاعية الباكستانية في إسقاط عشرات الطائرات المقاتلة والمُسيَّرات الهندية في السماء الباكستانية في مايو الماضي؛ إذ تساقطت كالذباب على الرغم من وقوف الولايات المتحدة وإسرائيل خلف رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي الذي طلب من ترامب التدخل لوقف إطلاق النار، وقد ترتب على ذلك الانتصار ترقية قائد الجيوش الباكستانية إلى رتبة مارشال مباشرة. وذكرت تقارير متعددة أنَّ الأسلحة الصينية كان لها دور محوري في حسم تلك المعركة لصالح باكستان. وأكدت باكستان أن البرنامج النووي الباكستاني أصبح في متناول السعودية إذا ما استدعت الضرورة، وهذا يعني أنَّ المملكة غدت أول دولة عربية نووية تتقاسم القنابل الذرية مع شقيقتها باكستان.
وفي الختام، يجب التأكيد هنا على حقيقة الشراكة الكاذبة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي استنزفت تريليونات من أموال المنطقة العربية مقابل بيع الوهم والزعم بأنها تحمي المنطقة وتدافع عنها؛ حيث أصبح ترامب شريكًا غير موثوق فيه، ويشكل عبئًا على أصدقاء أمريكا في الخليج العربي، إذا كانوا ما زالوا بالفعل أصدقاء لهذه الإمبراطورية الاستعمارية التي تحمي الكيان الصهيوني للإفلات من العقاب وتمده بالأسلحة المحرمة دوليًا لإبادة الشعب الفلسطيني بأكمله.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري