زاهر بن سيف المسكري
من ذا الذي لم يسمع بقصة فرعون الطاغية الجبّار، وموسى نبيّ الله المختار؟!
الله جل وعلا، الخالق الحليم مع عباده، والجبار المنتقم من أعدائه، جُند الشيطان، خلّد لنا ذلك التاريخ في صورة واضحة جلية، إذ يقصّ علينا في كتابه المنزّل خبر الحاكم، والملك، والزعيم، والإمبراطور، والكذّاب… ذاك الطاغية الذي قال لقومه:
﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾، وزعم أنّه يمنح الحياة والموت، يحيي ويميت، ويتحكّم في الأنهار والأنفاس والقرار.
إنه الذي تجبّر وطغى، وتمادى في سفك الدماء تحت مبرّرات يستغفل بها شعبه وجيشه المنقاد، حتى بلغ به الجبروت أن يقتل أطفال بني إسرائيل خوفًا من زوال عرشه، لأن أحدهم سيكون سبب هلاكه وزوال ملكه لا محالة.
لكن الله العليم الخبير، أخرج من رحم الخوف نبيًا.
ترعرع موسى في بيت فرعون، وفي رعاية زوجته وحاشيته، حتى بلغ أشدّه. تربّى في قصر فرعون تربية الملوك؛ يشرب ويأكل مما يتنعّم به الطاغية، ولكن قلبه خُلق ليكون قلبَ نبيٍّ من الأنبياء، مرادًا لربه.
خرج موسى خائفًا يترقّب، والأرض والسماء تبكيان من خوفه. لكن الله صاحب الحكمة البالغة والقدر النافذ، ساقه إلى تربية سماوية على يد نبي الله شعيب، تربية أشبه بخلية النحل في تضحياتها، وبيوت النمل في إدارتها، بعيدًا عن بيت العنكبوت الفرعوني المزيَّن في ظاهره المحطَّم في باطنه (كما هو حال الغرب في عصرنا).
عاد موسى بعد ذلك إلى القصر ذاته، يحمل الآيات البيّنات: يدٌ تخرج بيضاء من غير سوء، وعصًا تتحوّل إلى حيّةٍ عظيمة تزأر وتزلزل القلوب.
ثم كانت القصة الخالدة… يوم الزينة؛ حيث حُشر الناس من المدائن، وكأنها مباراة نهائية لكأس العالم، واجتمع السحرة بعصيّهم وأدواتهم البصرية وكأنهم أبطال المباراة. عصيّ تتحرّك، أشكال مرعبة، أصوات تتعالى، رياح ترعد وبرق يلمع… سحر بصري يخدع الأعين.
لكن الله لا يُخدع.
ألقى موسى عصاه فإذا بها حيّة عظيمة تلتهم عُصيّ السحرة، وتُرعب الجموع (كما تُرعب غزةُ الأحرار اليوم).
اختفت آلات السحر كأنها سراب، والتهمتها الحيّة، ثم عادت العصا كما كانت. لم يبقَ إلا أرض نقية خالية من أدوات السحرة… مشهدٌ أعلن بداية النور.
فسجد السحرة الذين جاؤوا بأمر فرعون، وقالوا: ﴿ءَامَنَّا بِرَبِّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ﴾.
أما فرعون فغضب (كما يغضب اليوم الغرب الصهيوني)، لا لأنه خُدع؛ بل لأن هيبته انكسرت أمام الجمهور الذي رأى الحق عيانًا، ورأى إيمان السحرة فاهتزّ. لكنه أصرّ على كفره، حتى أغرقه الله وهو يقول: ﴿ءَامَنتُ أَنَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓ إِسْرَٰٓءِيلَ﴾، فقيل له: «آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ».
واليوم يعود فرعون من جديد… فرعون العصر ليس شخصًا؛ بل كيان إسرائيلي مزروع قسرًا في أرض لا يملكها. كيان وُلد على أنقاض شعب، قام على القتل والطرد والحصار. ادّعى أنه "شعب الله المختار"، فقتل باسم الاصطفاء، واحتلّ باسم الحماية.
سلاحه ليس الصواريخ والقنابل فحسب، بل الإعلام المضلّل، المال العالمي، اللوبيات السياسية، والفيتو في مجلس الأمن. سحر فرعون العصر لم يكن عصًا تتحرك، بل كاميرا تُضلّل، ومراسل يكذب، ومنصّة تبرّر.
لكن الله لا يُخدع.
ما يجري في غزة اليوم يشبه تمامًا مشهد يوم الزينة. العالم كلّه يشاهد. الملايين في الشوارع. الغرب الذي صنع فرعون العصر بدأ يتململ من رائحته الكريهة.
انقلب السحر على الساحر. سقطت أقنعة الإعلام. انكشفت المجازر. وانحاز الناس للحق كما انحاز السحرة يوم الزينة.
إذن أبشروا… فالنهاية تقترب، والغرق قادم كما غرق فرعون الأمس. غرور فرعون اليوم لا يُنذر إلا بالانهيار (إسرائيل المصنوعة ومن يقف وراءها).
لن تُنقذهم ترساناتهم، ولا تحالفاتهم، ولا "فيتوهم". كما لم تُنقذ فرعون مياه النيل، ولا جبروته، ولا جيشه العظيم.
ستظهر آية الله "الحيّة" من جديد، متمثلة في غزة الصامدة، رغم الخونة المرتعبين من النتائج القادمة. وبشروهم أنها ستكون عليهم حسرةً وفضيحة في الدنيا، وعذابًا في الآخرة.
وسيلتهم النور ما تبقى من الظلمة. وسيسجد أحرار العالم لرب موسى.
وسيقول التاريخ مجددًا: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾.
وما على أهل فلسطين إلّا أن يُعِدّوا أنفسهم ويستعدوا لمبايعة من يقيّضه الله على درب موسى وطالوت ونبي الله داوود.
إنَّ لله إرادة، وهو أعلم بعباده الذين اصطفى. وكفى بالله وكيلا. والحمد لله رب العالمين.