سُلطان اليحيائي
تحيّةُ إجلالٍ وإكبارٍ إلى رجالِ المقاومة الإسلاميّة الأشاوس.. إلى حماس خاصّة ومحور المقاومة عامّة، أولئك الذين قدّموا ويقدّمون حتى اليوم تضحيات جسيمة لم يشهد لها العالم مثيلًا، في سبيل الحريّة وانتزاع الحقّ المسلوب. رجالٌ لا تُساوِمُهم المؤامرات، ولا تَكسِرُهم الحصارات، يسيرون بثباتٍ على درب الشهداء، ويكتبون بالدم صفحةً لا تُمحى من تاريخ الأمّة، ملهمين الأجيال معنى الصبر والثبات والإيمان القوي بأن الحق ظاهر، وأن الباطل زاهق.
ومن "حجارة داود" إلى "عصا موسى"، وقفت الأبواق العربية العميلة صاخبةً على كل ما هو مستورد من الصهيونية والمستجدّات الغربية، لكنها لم تجرؤ يومًا على الإشارة إلى أيِّ رمزية إسلامية أو إلى أيِّ عملية مقاومة شرعية.
قنوات فضائية بعدائيةٍ سافرة، بأبواقٍ مستأجرة ودخيلة على المجتمع العربي الأصيل، تروّج للصهيونية وللشذوذ ولحداثةٍ مُمنهجة تهدف إلى تفكيك عُرى الإسلام وإخضاع الشعوب لأجندة ماسونية بغيضة. تتخفّى وراء زيف اللغة الإعلامية لتزرع الضلال في عقول المشاهدين، وتشوّش على حقائق النصر والصمود.
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٟهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ﴾
تجاهلهم لاسم "حجارة داود" لم يكن صدفة، فهو يذكّر بالقدرة الإلهيّة للمؤمن على سحق الجبّار مهما علا، ويؤكّد أن النصر حتميٌّ لمن اصطفاه الله. بينما صفّقوا لـ"عربات جدعون" التوراتية، وكأن الإبادة مباحة إذا اتخذت طابعًا أسطوريًا يهوديًا. كل أسطورة تُقدَّم لهم يبرّرون بها العدوان ويحوّلون الضحايا إلى أرقام مجرّدة، متجاهلين رموز النصر الإلهي، وصوت المقاومة المستمدّ من القرآن، ومغزى الصمود الذي يمثّل درسًا لكل أمّة مسلمة في الثبات على الحق.
﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُ ۗ﴾
واليوم، مع عمليات "عصا موسى"، يكرّرون المشهد ذاته: صمتٌ مُطبق. العصا التي شقّت البحر وأنزلت الهلاك على الظالمين، تحمل وعد الله بالنصر على المعتدين. بينما هذه الأبواق المنبطحة تتآمر بأمر أسيادها خلف الشاشات، لتكرّس دورها كأداة طيّعة للماسونية والصهيونية، محاولةً طمس كل أثر للمعجزات التي يحقّقها المؤمنون، ومحو أي رمزٍ للثبات والإيمان.
﴿وَقُلْنَا يَـٰمُوسَى ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍۢ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ﴾
تزداد خطورتهم حين يقلبون الوقائع بالتدليس والتزييف، فيسمّون الشهيد "قتيلًا"، ويحطّون من رموز الصمود. لا بهدف الإعلام، بل لتغييب الوعي وزراعة الإحباط والانهزامية في النفوس. يتفنّنون في صناعة الوهم حتى تتحوّل مشاهد الجرائم إلى خيالٍ مشوّه بلا وزن، وكأن شيئًا لم يحدث، في محاولة واضحة لتدمير معنويات الشعوب وطمس أي أثرٍ للعدالة الإلهية.
لكن في المقابل، يظل هناك إعلامٌ يأبى التضليل، إعلام عُماني صادق يلتزم بالوضوح، ولم يحِد منذ بداية طوفان الأقصى عن خط النضال برغم البُعد الجغرافي. هنا لا تزييف ولا انحناء، بل نقل أمين للواقع كما هو، ليُعلّم الشعوب معنى الأمانة والوعي، ويؤكّد أن الحق سيظهر مهما طال عمر الباطل. ويُثبت أن لكل مجاهد مكانته في التاريخ، وللنصر موعده الذي لا يتأخّر.
﴿وَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَـٰلَ﴾
وحين يختبئ الإعلام الرسمي خلف صمته وخضوعه، يُثبت الله أن النصر لا يحتاج إلى أبواق. فكل تحريف وتشويه رمادٌ أمام بركان الحق، والبحر لا يخطئ موعده مع الظالمين، والعصا لا تخطئ طريقها إلى المستكبرين.
اختيار اسم "عصا موسى" لعمليات المقاومة لم يكن عبثًا، بل هو توفيقٌ ربّاني ورسالة بأن الظلم مؤقّت، وأن المعركة بين الحق والباطل مهما صاخبت الأبواق، لها خاتمة محتومة؛ فالعصا ستنهض، والبحر سينقضّ، والنصر قريب.. قريب لا جدال فيه؛ فلنرفع أعيننا إلى مَن وعد، ولنثق أن هذه الأبواق المأجورة ليست سوى صدى خافت لماسونية وصهيونية لَعينة. وأن قدرة الله ماضية لنصرة عباده، ووعده صادق لا يبطله صخب ولا تطبيع.
إنها رسالة لكل من يرفع صوته ضد الحق: كل تجاهل، وكل تحريف، وكل صمت لن يغيّر الحقيقة. النصر حتميٌّ لمن آمن بالله حقّ الإيمان. ولتسكت كل الأبواق، ولينكسر كل صوت أبى أن يرضى بالعدل والحق.
﴿وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ﴾