محمد بن علي البادي
في عالمٍ يسود فيه الصمت أمام الظلم، وتختلط فيه القيم والمبادئ، نجد أنَّ دماء الأبرياء تُهان، ويُسمّى الحق إرهابًا، بينما يُغفر للبطل الكاذب كل جرم. غزة، هذه البقعة الصغيرة على الخريطة، أصبحت رمزًا للصمود، وعنوانًا للشهادة والكرامة، حيث يسقط الأطفال والنساء والشيوخ، ومع ذلك يصرّ الشعب على المُقاومة، رافعًا راية الحق، متحديًا قوى الاحتلال التي تظن أنَّ إرهابها سيمحو إرادة الشعوب. هذه هي الحقيقة التي لا تُريد العيون المجرّدة أن تراها، لكنها الحقيقة التي تنطق بها دماء الشهداء في كل لحظة.
لن نركع للظلم أبدًا…
لقد عرف التاريخ أنَّ الاحتلال لا يُزحزح إلا بالقوة والتضحية. منذ فجر التاريخ، قاومت الشعوب الغاصبة كل محتل حاول أن يسلبها أرضها وكرامتها، من فلسطين ولبنان والعراق وصولًا إلى شمال إفريقيا والهند وأمريكا اللاتينية. وحتى في سلطنة عُمان، لم يُخرج البرتغاليون إلا بجيش وطني حُر، بقيادة العمانيين الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم من أجل استعادة أرضهم وكرامتهم. لم تُحرّر الأرض بالحديث أو الاستجداء، ولم تُسترد الحقوق بالسكوت، بل عبر دماء الشهداء وتضحيات الأبطال الذين آمنوا بأنَّ الكرامة والحرية أغلى من الحياة نفسها. وكل مرة حاول فيها المحتل السيطرة بالقوة، وجدت مُقاومة الشعب طريقها، لتثبت أنَّ الحق لا يُهزم إلا إذا خارت إرادة البشر وشُوهت عزيمتهم.
لقد بلغ عدد شهداء غزة ما يقارب خمسة وستين ألف شهيد، أرواح طاهرة ارتقت في سبيل الحرية والكرامة. ومع ذلك، حين نُفِّذت عملية استشهادية أدت إلى هلاك ستة من مجرمي الاحتلال الصهيوني، رأينا الدنيا بأسرها تستنفر، والجميع يشجب ويستنكر، بل ويصف تلك العملية بالإرهابية!
أي عقول هذه التي لا تميّز بين الحق والباطل؟ بين من يزرع الدمار والاحتلال والقتل، وبين من يُمارس حقه المشروع في الدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه؟! إنها عقول مريضة، تمارس ازدواجية المعايير بأبشع صورها، حتى غدا دم الشهيد الفلسطيني رخيصًا في أعينهم، بينما عدو الإنسانية يُعامل كضحية بريئة.
لقد آن للعالم أن يفهم أنَّ الاحتلال هو أصل الإرهاب، وأنَّ مُقاومة المحتل ليست خيارًا بل واجبًا تفرضه الفطرة والكرامة والمواثيق الدولية. فحين يُقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ وتُدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، لا يمكن لأحد أن يُطالب الضحية بالصمت، أو يجرّم من قرر أن يفتدي شعبه بنفسه. إن المقاومة ليست جريمة، بل شرفٌ عظيم، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها محتلٌ غاصب لا يعرف للسلام معنى.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة ناصعة: دماء الشهداء لن تضيع هباءً، والمقاومة باقية حتى يرحل الاحتلال.
ولأهلنا في العالم العربي والإسلامي، نقول: قوموا لحقكم، واحملوا شعلة الوحدة، وادعموا من يقاوم الظلم والاحتلال. فالشعوب التي تقف مع الحق، وتناصر المظلوم، هي وحدها التي تصنع المجد، وتكتب التاريخ بأحرف من نور. لا صمت بعد اليوم أمام القتل والدمار، ولا تهاون مع من يبيع الأرض والكرامة. فلتكن فلسطين في قلب كل عربي ومسلم، ودماؤها في وعينا، ومقاومتها مصدر فخرنا، حتى يزول الاحتلال عن أرضها، وتشرق الحرية على شعبها العظيم.