مسعود أحمد بيت سعيد
صدر في الآونة الأخيرة كتابٌ بعنوان "تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان" في جزأين؛ أعد الجزء الأول الدكتور وانغ شياوفو، بينما تولى الدكتور لي آنشان تأليف الجزء الثاني، وذلك بتوجيه من الدكتور فوتشيمينغ أستاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين، الذي اضطلع بمهمة جمع الدلائل والقرائن التي تبرز مسيرة التعاون بين الصين وعُمان قديمًا وحديثًا.
وحرصًا من الدكتور فوتشيمينغ على أن يصل الكتاب بلغة واضحة إلى القارئ العربي، أُوكلت مهمة الترجمة العربية إلى فريق عمل ضم: الدكتور فوتشيمينغ، والدكتورة رحاب محمود صبح رئيس قسم اللغة الصينية بكلية الآداب- جامعة القاهرة، والدكتور علاء ممدوح عاكف، الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية- جامعة بكين، والدكتورة لو بي تشون من قسم اللغة العربية- جامعة بكين. أما المراجعة فتولاها الدكتور محمود إمام، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية- جامعة بكين. وقد صدر الكتاب بالتعاون بين جامعة بكين ومكتبة الأنجلو المصرية، وجاء في 9 أبواب؛ تضمن كل باب عددًا من الفصول. ونظرًا لضخامة المادة وتنوع القضايا التاريخية والسياسية، فإن هذا العرض سيُركِّز على المبحثين الأول والثاني من الفصل الرابع، وهما: النضال العُماني ضد بريطانيا وموقف الصين. ودوافع الصين لدعم حركة التحرر الوطني في ظفار.
في المبحث الأول، يُورِد الكتاب معلومات مُهمة وربما غير مُتداولة على نطاق واسع؛ إذ يذكر أن نائب إمام عُمان، قام في فبراير 1959 بزيارة رسمية إلى الصين؛ حيث التقى الزعيم الصيني. وخلال تلك الزيارة، قررت الحكومة الصينية تقديم مساعدات مالية وعسكرية للوفد، تمثلت في 200 ألف دولار أمريكي، إضافة إلى 700 ألف دولار كمساعدات عسكرية، غير أن الأخيرة لم تصل بسبب صعوبات النقل والإمداد. وبعد، هزيمة الإمام ولجوئه إلى السعودية، وإعلان سلطنة مسقط وعُمان في سنة 1967 قطعت الحكومة الصينية علاقتها مع الإمامة.
أما في المبحث الثاني؛ فيشير الكتاب إلى أن الصين استقبلت وفودًا من جبهة تحرير ظفار، أولها في 27 يونيو 1967 برئاسة محمد أحمد الغساني وعضوية سالم علي مسلم (ورد اسمه خطأً: سليم) وأحمد سهيل فارح (ورده اسمه خطأً: فريح)؛ وذلك بدعوة من معهد الشعب الصيني للشؤون الخارجية. أما الوفد الثاني؛ فكان في 2 أبريل 1970 برئاسة طلال سعد؛ حيث التقى الوفد رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي ورئيس أركان جيش التحرير الشعبي الصيني خوانغ يونغ شينغ. ويتناول المبحث ذاته دوافع الصين لدعم حركة التحرر الوطني في ظفار، مُستعرضًا آراء عدد من الباحثين الأجانب الذين أرجعوا ذلك إلى 5 أسباب رئيسية: معارَضة بريطانيا والولايات المتحدة وحلفاؤهما. وتنمية القوى الثورية لمنافسة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. والترويج للنموذج الثوري الصيني. وإيجاد منطقة عازلة من أجل حماية اليمن.
ويرى المؤلف أن هذه التفسيرات معقولة، لكنها غير كافية لفهم الموقف الصيني؛ فالدعم لم يكن ذا طبيعة استراتيجية فحسب؛ بل استند أيضًا إلى جذور أيديولوجية وتاريخية. فالصين التي عانت طويلًا من الاستعمار السياسي والاستغلال الاقتصادي، طورت حسًا تضامنيًا عميقًا مع الشعوب التي واجهت ظروفًا مشابهة، ومن هذا المنطلق تبنت موقفًا متعاطفًا مع حركة التحرر في ظفار؛ باعتبارها جزءًا من النضال العالمي ضد الإمبريالية والاستعمار. وعلى الرغم من القيمة العلمية التي يُقدِّمها الكتاب، وتتبعِه لمسار العلاقات الصينية-العُمانية في مختلف مراحلها، إلّا أنه تبقى هناك بعض الملاحظات النقدية؛ أبرزها: أولًا: وجود أخطاء في ترجمة بعض الأسماء، وقد أشرنا إلى بعضها. ثانيًا: تناقضات في التحليل السياسي؛ حيث يقدم الدعم الصيني لحركات التحرر الوطني كأداة تكتيكية ذات طابع انتهازي أكثر منه موقفًا ثوريًا مبدئيًا، وهو ما يناقض أدبياتها الأيديولوجية وخطابها السياسي والإعلامي آنذاك. ثالثًا: توصيف غير موضوعي لدور الاتحاد السوفيتي؛ إذ صوره كقوة إمبريالية كولونيالية شبيهة بالولايات المتحدة، رغم أن موسكو قدمت دعمًا مهمًا للثورة الصينية، كما أكد ماو تسي تونغ نفسه.
غير أن الخلافات برزت لاحقًا مع نيكيتا خروتشوف واتخذت أبعادًا فكرية وسياسية وشخصية؛ إذ كان ماو يرى نفسه أحق بقيادة المعسكر الاشتراكي مُستندًا إلى تجربته في الكفاح المسلح وحرب العصابات، وصولًا إلى تبنِّي الصين نظرية "العوالم الثلاثة" التي صنَّفت الاتحاد السوفييتي ضمن العالَم الشمالي الإمبريالي، وهو توصيف مثير للجدل وتبسيط للصراع الدولي القائم حينها؛ إذ حول الصراع من طابعه الطبقي- رأسمالي- اشتراكي إلى بعد جغرافي شمال- جنوب.
خلاصة القول.. يعد الكتاب محاولة جادة لرصد مسار تطور العلاقات بين البلدين وآفاقها المستقبلية، غير أن وصفه لدعم الصين لثورة ظفار على أنه مجرد سعي إلى إنشاء منطقة عازلة للدفاع عن اليمن الجنوبي، وتجاهل المطالب الوطنية العُمانية، يجعله أقرب الى ما تروجه الدعاية الإمبريالية الغربية، ويتقاطع- إلى حد ما- مع الرؤية الرسمية العُمانية. وهو ما يعكس مقاربة متأثرة بالتحولات الفكرية والسياسية التي شهدتها الصين خلال حقبة الحرب الباردة. لذلك، يبقى من الضروري قراءة هذا العمل المرجعي والثري في سياقه التاريخي والفكري والسياسي، بوصفه نتاج رؤية مُحدَّدة لا تخلو من تأثير الخلفيات الأيديولوجية التي انعكست على الكثير من استنتاجاته.