علي بن حبيب اللواتي
في زمن تتقاطع فيه التحديات الاقتصادية مع واقع الناس، لا يسعنا إلا أن نقف شاكرين للمؤسسات الوطنية التي بادرت بمدّ يد العون لفئة المُسرَّحين. فنُقدّر عاليًا موقف وزارة العمل والبنك المركزي العُماني في تمديد قرار تأجيل الأقساط عن المُسرَّحين من العمل، ووقف احتساب الفوائد الإضافية عليهم حتى نهاية عام 2025. بالتأكيد هي خطوة يُوجَّه لها الشكر، فقد خفّفت عن فئة أُنهكتها الظروف.
لكن، للأسف، هناك من لا يزال ينتظر... فأكثر من 16 ألف مواطن ما زال مُسرَّحًا وبلا وظيفة، أقصد هنا الذين انتهى صرف منفعة الأمان الوظيفي عنهم؛ فهؤلاء لن يشملهم قرار تجميد الأقساط الشهرية أعلاه، وهؤلاء يعيشون بيننا بلا راتب، ويواجهون التزامات أسرية، ومعيشة يومية لا تنتظر، وكذلك التزامات مالية إذا لم يُسيطر عليها فإنها تودي إلى ما لا يُحمد عقباه.
ومن هنا نرفع نداءنا الإنساني كمحاولة في إيجاد حلول لأزمة المُسرَّحين من أعمالهم:
أولًا: نطالب بتوسيع قرار البنك المركزي العُماني بحيث يشمل جميع المُسرَّحين، سواء كانوا يتقاضون راتب الأمان الوظيفي أم توقّف عنهم، فالحاجة واحدة، والضيق واحد.
ثانيًا: نرجو إعادة هيكلة الفوائد، فهنا لا نطلب شطب الديون، ولكن يمكن إعادة احتساب الفوائد المدفوعة سابقًا بالأقساط المدفوعة لتحسب وتكون جزءًا من أصل القرض الأساسي قد تم دفعه، وكذلك لا يُعامل المُسرَّح وكأن القرض ما زال يحتوي فوائد، بل يتحول قرضه (بلا فائدة) من يوم حصوله عليه.
فمن سُرِّح من عمله، وقد قبل براتب أقل من السابق ليتمكن من إعالة أسرته وتلبية احتياجاتها الرئيسية الضرورية بمشقة عالية، لن يستطيع الاستمرار في دفع أقساط محمّلة بالفوائد كما كان سابقًا.
وإصدار تعميم جديد من البنك المركزي يشمل جميع المُسرَّحين بشهادة إنهاء الخدمة ورسالة من وزارة العمل لتطبيق إلغاء جميع الفوائد السابقة والمتبقية سيعزز من قدرة المُسرَّحين على مواجهة تكاليف الحياة المتصاعدة والمتأثرة بالتضخم.
ويُشجَّع البنوك على تنفيذ إعفاءات من جميع فوائد القروض المتعثرة وجدولة إنسانية تتناسب مع الوضع الجديد للمُسرَّحين، يقابله منح البنك المركزي العُماني امتيازات جيدة للبنوك لموقفهم الوطني في معالجة قروض المُسرَّحين كما ذُكر أعلاه.
وكذلك يجب فورًا تعزيز القدرات المالية لصندوق الحماية الاجتماعية ليتمكن من احتضان جميع الحالات التي يبدو أنها مستمرة لأسباب كثيرة.
هذا النداء الوطني لا يُرفع من باب الشكوى، بل من باب الرجاء المشترك بأن نرى تكاتفًا أكبر، وقرارات أعمق تلامس المعاناة والبؤس الذي قد لا يُرى من خلف المكاتب، لكنه يعيش كحقيقة في البيوت.
إن أبناء الوطن المُسرَّحين ليسوا أرقامًا في ملفات الجهات الحكومية، بل هم آباء، وأمهات، وشباب خدموا بوظائفهم السابقة في كل جغرافيا الوطن، وقد آن الأوان أن نعيد لهم الأمل.
ولأنه "نداء وطني" لا يكتفي بعرض المشكلة، بل يسعى للمساهمة في الحل، نضع بين أيدي الجهات المعنية مجموعة من الأفكار القابلة للتطبيق، تُسهم في تخفيف العبء عن المُسرَّحين من العمل، خاصة غير المشمولين برواتب الأمان الوظيفي:
- تنفيذ برنامج عمل مرن كتوفير وظائف مؤقتة أو جزئية بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، تمنح المُسرَّحين فرصة دخل مرحلي حتى العودة للاستقرار الوظيفي بوظائف دائمة.
- إعادة تأهيل المُسرَّحين لاكتساب مهارات جديدة.
- صرف بطاقة دعم معيشية مؤقتة، تُمنح للمُسرَّحين لشراء الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية من متاجر معينة بأسعار مدعومة، مع أمر واضح لشركات تقديم الخدمات بعدم قطع الماء والكهرباء عن بيوتهم بسقف مناسب لحجم الأسرة.
- توفير قرض بسيط بلا فوائد (500–1000 ريال عُماني)، يُسدَّد لاحقًا بعد الاستقرار، ويُمنح بشهادة تسريح فقط.
- تدشين حملة وطنية إعلامية للتوعية والتضامن؛ لتسليط الضوء على قصص المُسرَّحين ومعاناتهم، لتشجيع المجتمع والبنوك للتفاعل بإيجابية وإنسانية بصورة أعمق.
- توفير خط هاتفي لدعم المُسرَّحين بتقديم الدعم النفسي، والإرشاد المالي، ومساعدات طارئة، بإشراف وزارة العمل.
هذه الأفكار ليست بدائل، بل هي روافد إنسانية تُكمل الجهد الرسمي المشكور، وتفتح نوافذ أمل واقعية لمن ضاقت بهم الحياة فجأة.
إن المُسرَّحين اليوم بحاجة لقرارات داعمة واقعية، لا مجرد تعاطف عابر يتوقف دون متابعة وإشراف؛ فجميع مؤسسات الدولة والبنوك يجب أن يكونوا يدًا متكاتفة واحدة تحمي المُسرَّحين فتحمي الوطن.