التحديات والفرص في تسويق التمور العُمانية

 

 

 

صالح بن سعيد بن صالح الحمداني

 

"وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتࣲ لَّهَا طَلۡعࣱ نَّضِیدࣱ" (سورة ق، الآية: 10) ، بهذه الآية الكريمة نبدأ حديثنا عن النخلة والتمور، ذلك الكنز الغذائي الثمين الذي يتجذر في ثقافتنا ويزدهر في بيئتنا. ففي ظل تزايد الاهتمام العالمي بالغذاء الصحي والطبيعي، تبرز التمور كواحدة من أهم الثمار الغنية بالفوائد الغذائية والمرغوبة لدى شريحة واسعة من المستهلكين حول العالم.

وتُعَدّ السلطنة من الدول الرائدة في زراعة النخيل وإنتاج التمور، ليس فقط على مستوى الكمية وإنما على مستوى الجودة والتنوع، إذ تزخر السلطنة بالكثير من أنواع التمور.

ويُعد مشروع "المليون نخلة"، الذي أُطلق بتوجيهاتٍ سامية من المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- من أبرز المبادرات الوطنية الداعمة لقطاع النخيل في هذا الوطن الغالي، وقد جاء هذا المشروع الاستراتيجي بهدف تعزيز الأمن الغذائي، وإحياء الموروث الزراعي، وتحقيق جدوى اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة، وقد تضمّن المشروع إنشاء 11 مزرعة نموذجية تُجسّد الالتزام الوطني المتجدد نحو شجرة النخيل المباركة.

ورغم هذه الجهود والمبادرات، لا تزال صناعة التمور في السلطنة تواجه العديد من التحديات، خاصة في مجالي التسويق والتغليف، في ظل منافسة شديدة من التمور المستوردة التي غالبًا ما تُطرح بأسعار أقل وتغليف أكثر جاذبية.
ومن هنا تبرز مجموعة من التساؤلات الجوهرية حول سُبل تعزيز حضور التمور العُمانية في الأسواق: ما أهمية التسويق في هذا القطاع؟ وما أبرز التحديات التي تعيق التوسع؟ وما الفرص المتاحة أمام المزارع العُماني؟ وما الصعوبات التي يواجهها في هذا المجال الحيوي؟

إن أي منتج -مهما بلغت جودته- لا يكتمل نجاحه دون وجود تسويق فعّال، فالتسويق يُمثل حلقة الوصل بين المُنتِج والمُستهلك. وفيما يتعلق بالتمور، فإن تسويقها يُسهم في عدة جوانب مهمة، من أبرزها: ضمان دخل عادل للمزارع من خلال بيع المحصول بأسعار مناسبة، ومواكبة تنامي الطلب العالمي على التمور، وفتح أسواق خارجية جديدة عبر علامات تجارية عُمانية مميزة تُبرز الهُوية الوطنية، وتحقيق قيمة مضافة من خلال التغليف الحديث والتصنيع الغذائي (كإنتاج الدبس، والعصائر، والمعمول، وغيرها).

تسويق التمور في حقيقة الأمر يواجه واقعًا معقدًا نوعًا ما، مما يتطلب علينا إيجاد حلول مبتكرة؛ لأن هذا القطاع لا يخلو من التحديات التي تتطلب تضافر جهود القطاعين الخاص والحكومي لتجاوزها.

وتظل الفرص الواعدة يُمكن استثمارها بفعالية رغم تلك التحديات، ومنها:
التمور العُمانية -وحسب بعض المراجع التي اطلعنا عليها- تتنوع أصنافها التي قد تتمثل في 250 نوعًا من التمور في الأسواق، وهذا قد يكون قادرًا على تلبية مختلف الأذواق من ناحية، ومن ناحية أخرى يُعزّز أهمية التمور كغذاء صحي طبيعي بما يخدم تنمية الوعي الغذائي العالمي.

التحول الرقمي الذي يشهده العالم اليوم والتجارة الإلكترونية يتيحان لنا فرصًا عديدة للوصول إلى المستهلكين حول العالم، ومن خلال تقديم ودعم المُزارع بدورات تدريبية وبرامج تمويل ومعارض وغيرها من جوانب الدعم الحكومي، يستطيع المزارع أن يحقق ما يسعى إليه.

إن هذا القطاع الغذائي المُهم يشهد مجموعة من التحديات التي من أبرزها غياب الهُوية التجارية، إذ لا يزال يشكّل بالنسبة لنا أبرز التحديات التي تُعيق تسويق التمور العُمانية؛ حيث نجدها سواء في الأسواق المحلية أو الخارجية تُباع معظمها دون علامات تجارية واضحة، الأمر الذي يُضعف من قدرتها على المنافسة وإبراز خصوصيتها. ثم تدني مستوى التغليف الذي لا يواكب المعايير العالمية من حيث الجودة والجاذبية، ومنافسة تمور خارجية مستوردة بأسعار أقل وجودة تغليف أعلى. بينما ضعف التسويق الرقمي وغياب المنصات الإلكترونية الاحترافية لدى غالبية المزارعين يشكّل جانبًا آخر من التحديات، وكذلك الحال مع معاناة المزارع العُماني بين التكاليف وغياب الدعم الفني.

ولأن المزارع هو المُحرّك الأساسي لإنتاج التمور، فإنه يواجه تلك التحديات إضافة إلى ارتفاع تكاليف الزراعة (مياه، أسمدة، مبيدات، عمالة)، ونقص الدعم الفني والإرشادي حول الزراعة والتسويق الحديث، وغياب الصناعات التحويلية لاستيعاب الفائض من التمور، ونقص البنية التحتية التسويقية (مراكز بيع، مخازن، توزيع...). ذلك فيما يخص التحديات بشكل عام. ومن الواقع الميداني نتناول بعض الصعوبات التي تواجه تجار التمور في التغليف والتسويق من خلال لقاءات ميدانية مع بعض أصحاب تجارب التغليف والتوزيع مثل سيف بن مسعود الهنائي من ولاية إزكي، والمزارع عبدالله بن سعيد الشبلي من صحار؛ حيث تم رصد عدة مشكلات مباشرة منها ما يتعلق بصعوبات التغليف وأخرى في التسويق:

صعوبات التغليف: تتمثل في عدم توفر فنيين لصيانة آلات التمور، والاعتماد الكلي على خبرات خارجية. كما إن آلات التغليف الجديدة في السوق المحلية شُحّها يشكّل صعوبة بالغة للمزارع، مع عدم الوعي لدى البعض بأهمية التغليف الآلي، مما يشكّل محدودية في الوعي والاستمرار في التغليف بالفكر التقليدي اليدوي، بما يُعرف عند البعض بـ(الدبة الصفراء).

صعوبات التسويق: رفع أسعار التمور من المزارعين يشكّل صعوبة، مما يؤدي حتمًا إلى رفع الأسعار. أيضًا منافسة المزارع من الوافدين ودخولهم للسوق بدون تراخيص، ووجود مورد واحد في مسقط لتوريد أكياس التغليف، وهذه معضلة تؤثر على جودة التغليف للتمور. أما من حيث السوق المحلي، فوجود منافسين غير مرخّص لهم يؤدي إلى منافسة غير عادلة بانخفاض الأسعار، إضافة إلى أن التمور المستوردة تزاحم التمور المحلية من حيث الجودة والتغليف. ويبرز أيضًا ضعف وجود آليات قانونية واضحة لتنظيم السوق المحلي، مما يعيق التسويق الداخلي والخارجي. ولتحقيق تسويق أكثر فاعلية وربحية، يتطلب الأمر دعمًا حكوميًا واضحًا لتسويق التمور خارجيًا، كما إن عدم تكثيف وتفعيل الدورات التدريبية في مجال الصناعات المرتبطة بالتمور والتسويق لا يسهم في دعم المزارع.

إضافة إلى ذلك، فإن الأرباح محدودة زمنيًا بسبب اقتصار المشروع على المواسم فقط. ومن خلال كل ما تقدم نجد أن التمور العُمانية تُشكّل منتجًا وطنيًا غذائيًا يستحق الاهتمام بشكل أفضل، لأنه يُجسّد الهُوية والثقافة والاقتصاد العُماني، فهو ليس مجرد منتج.

ومن أجل النهوض بهذا القطاع المهم، يجب علينا النظر في تطوير استراتيجية وطنية للتسويق تكون شاملة، مع دعم الابتكار في الصناعات التحويلية والتغليف، ودعم المزارع من قِبل جهات الاختصاص بالتدريب والإرشاد وعبر برامج تمويل ودورات تدريبية، والوصول إلى الأسواق العالمية بأساليب عصرية من خلال تعزيز العلامات التجارية الوطنية. ففي وقتنا الحاضر تتسارع المنافسة في كل مجالات الحياة، ولم يعد كافيًا أن نُنتج تمورًا ذات جودة عالية؛ بل يجب علينا مواكبة السوق وأن نُقدّم التمور كغذاء ومُنتج للأسواق المحلية والعالمية برؤية متجددة وجودة تُعبّر عن عراقة عُمان وجودة منتجاتها، وتضع التمور العُمانية في مكانها الذي تستحقه في السوقين المحلي والعالمي.

الأكثر قراءة