المُسرَّحون من أعمالهم يُجابهون أوضاعًا معيشية صعبة وينشدون "التمديد"

مختصون: صرف "منفعة الأمان الوظيفي" إلى ما لا نهاية "غير منطقي".. وتوسيع قاعدة الاقتصاد الحل الأمثل لأزمة التوظيف

...
...
...
...
...
...
...
...

 

◄ خلفان الطوقي: الحكومة تتحمل المسؤولية الكبرى عن زيادة حجم الاقتصاد وتقوية القطاع الخاص

◄ المطاعني: القانون ينص على تقديم المنفعة لمدة 6 أشهر فقط

◄ حمود الطوقي: وقف "المنفعة" أثّر على ثقة المواطن في منظومة الحماية الاجتماعية

◄ البلوشي: "المُسرَّحون" يُعانون أوضاعًا صعبة.. ولا بُد من "حلول فورية"

◄ اليعقوبي: زيادة ملحوظة في الاعتماد على المساعدات الخيرية

◄ العبدلي: الحركة الاقتصادية تتأثر نتيجة تراجع القوة الشرائية

 

 

الرؤية- ناصر العبري

 

 

 

اتفق عدد من المختصين في الشأن الاقتصادي على أن عدم تمديد منفعة الأمان الوظيفي للمُسرَّحين من أعمالهم، ترك أثرًا سلبيًا مباشرًا عليهم، خاصة أولئك الذين لم يتمكنوا بعد من تأمين مصدر دخل ثابت. وأكدوا أن التأثير لم يكن اقتصاديًا فقط؛ بل امتد إلى الجوانب الاجتماعية والنفسية؛ حيث زادت الضغوط المعيشية وأعباء الالتزامات الأسرية، ما أثَّر على الاستقرار الأُسري والمستوى المعنوي للمتضررين.

لكن في المقابل، أشاروا إلى أنه من غير المعقول استمرار صرف هذه المنفعة إلى ما لا نهاية، خصوصًا وأن قرار الصرف من عدمه يُنظمه قانون الحماية الاجتماعية، والذي وافق عليه مجلس الشورى، وصدر بعد مناقشات مستفيضة مع مختلف الجهات والخبراء والمتخصصين.

 

 

 

وقال المُحلل والباحث الاقتصادي خلفان الطوقي إن هناك جهودًا حكومية تعمل على حلحلة هذا الملف، ورغم أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكبرى لعدم قدرتها على خلق قاعدة عريضة للاقتصاد، مشيرًا إلى أهمية تقوية الاقتصاد لحل هذه المشاكل. وأضاف الطوقي أن منظومة الحماية الاجتماعية لم تفقد مصداقيتها، والمنظومة قائمة وسوف تستمر وتتطور وتتغير وتتحسن إلى الأفضل. وأوضح الطوقي أن سلطنة عُمان ليست استثناءً؛ حيث إن هذه المنظومة مُفعَّلة في كثير من دول العالم، وهناك صناديق تمويل لها، لكن صناديق التمويل لديها سعة وطاقة استيعابية ولا يُمكن أن تُبنى على أُسس عاطفية، في حين أن المطلوب هو تطوير المنظومة بشكل مستمر، وهذا ما تقوم به الحكومة حاليًا. وأكد الطوقي أن استمرار الحكومة في دفع 60 بالمئة من راتب المُسرَّح لا يمكن أن يظل إلى الأبد، لأنه تم تمديد منفعة الأمان الوظيفي لمدة أربع سنوات، فهل من المعقول أن يجلس المُسرَّح في منزله ويتقاضى 60 بالمئة من راتبه بينما الحكومة تتحمل نفقاته. وأضاف أن هذه التكلفة يدفعها مواطن آخر على رأس عمله، ولا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه حاليًا.

واستبعد الطوقي أن تواصل الحكومة دفع 60% من راتب المُسرَّح على خلاف القانون الصادر بمرسوم سلطاني، مشيرًا إلى أن الحياة لا يُمكن أن تمضي هكذا؛ حيث يعتمد المُسرَّح على ما يحصل عليه من معونة من الحكومة، في وضع يبدو في كثيرٍ منه نوعًا من "الاتكالية وعدم الإنتاجية"، حسب تعبيره.

مؤشرات التسريح

وأضاف أن ارتفاع مؤشرات التسريح والبطالة لن يتوقف، ما لم تجد الحكومة طرقًا لتوسيع الرقعة الاقتصادية وخلق فرص وظيفية وجذب استثمارات جديدة من داخل وخارج السلطنة، مشيرًا إلى أنَّ هذه تحديات كبيرة يجب التكاتف من أجل تجاوزها. وتابع: "السيولة المحلية محدودة جدًا وتتخذ أنماطًا معينة؛ حيث إن معظم المواطنين يُفضِّلون الودائع البنكية، ويفضلون الكسب السريع الناتج عن أعمال بسيطة، من خلال الودائع أو شراء السندات المضمونة أو القيام بأعمال تجارية صغيرة جدًا لا تُذكر، وهذه لن تحقق الإضافة القوية للاقتصاد، بينما يجب التشجيع على المشاريع الكبيرة والمتوسطة".

وأشار الطوقي إلى جهود المؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية في استيعاب عدد من الباحثين عن عمل، وقال "لا يمكن أن يعمل الشباب العُماني كلهم في هذه المؤسسات، ولا يمكن لأي مجتمع أن يعتمد على الحكومة في التوظيف، كما إن القطاع الخاص يجب أن يُدعم بسياسات وإجراءات للتسهيل عليه وتشجيعه على الاستمرار والنمو والتوسع". وشدد الطوقي على أن الحكومة لم تستقطع المنفعة، بل مددتها 4 سنوات، ولم تعد الحكومة قادرة على مواصلة دفع هذه المبالغ في حين أن هناك أعدادًا جديدة تنضم، وهي آلية عمل مُتبعة في مثل هذه المنافع او صناديق التأمين. وشدد على أن أي منظومة تأمينية لا يمكن لها أن تستوعب فوق طاقتها الاكتوارية، واستمرار حصول المُسرَّح على المنفعة إلى ما لا نهاية، أمر "غير منطقي وغير مستدام". وذكر أن مثل هذه المنافع تقوم على دراسات وإحصائيات ومعادلات علمية، وإذا زادت الأعداد أكثر عن اللازم سوف تنهار هذه المنظومة، وسوف تتحمل جهات أخرى أعباءً لا طاقة لها بها، وقد يجد المواطن نفسه بدلًا من أن يدفع 1% من راتبه لصالح بند المنفعة، سوف يدفع 2% أو أكثر، والحال كذلك بالنسبة لمساهمة الحكومة بدلًا من أن تدفع 6% سوف تدفع 7%.

من جهته، يرى الكاتب الصحفي علي بن راشد المطاعني أن منفعة الأمان الوظيفي لا يجب وقفها إلّا بحكم من المحكمة، مشيرًا إلى أن المرسوم السُّلطاني السّامي رقم (82/ 2020) أصدر نظام الأمان الوظيفي للعاملين العُمانيين لتحقيق الاستقرار المعيشي للمُسرَّحين من الخدمة لأسباب غير تأديبية، ويحقّ للمواطن بموجب ذلك الحصول على 60% من الأجر الشهري الذي كان يتقاضاه لمدة تصل إلى ستة أشهر. وأضاف أن النظام أسهم في تخفيف التبعات الحياتية للمُسرَّحين عن العمل لمدة نصف عام، على أمل أن يتمكنوا خلال هذه الأشهر من توفيق أوضاعهم الحياتية والمعيشية وحتى يحصلوا على وظيفة أخرى أو أن يتمكنوا من الدخول في عالم رواد الأعمال ليصلوا في نهاية المطاف إلى الأمل المرتجى وهو الراتب الذي كان يتقاضاه قبل التسريح أو قريبًا منه، وبناءً على هذه المسلّمات اتكأ النظام؛ باعتباره يُمثِّل بعض الحل لا كلّه، وذلك بحسب مقال صحفي نشره المطاعني.

الحماية الاجتماعية

وقال الكاتب الصحفي حمود بن علي الطوقي رئيس تحرير مجلة "مرشد" إن هذه المنفعة كانت تشكل إحدى أبرز أدوات الحماية الاجتماعية، قد أثّر على ثقة المواطنين بالمنظومة، مطالبين بضرورة إعادة النظر في آليات الدعم. ويرى آخرون أن استعادة الثقة ممكنة إذا ما طرحت بدائل فعّالة تُعالج الفجوة التي خلّفها القرار، وتضمن استدامة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا. وعن التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أضاف الطوقي أن غياب هذه المظلة المالية قد يزيد من معدلات الباحثين عن العمل الأمر الذي يؤثر سلبا على استقرار سوق العمل، في ظل مؤشرات على استمرار عمليات تسريح من قبل بعض الشركات وينعكس في صعوبة حصول الباحثين على وظائف مناسبة. وخلال متابعتنا الصحفية أكد المُسرَّحون أن الأثر قد لا يكون آنياً فحسب، بل يمكن أن يتفاقم مع الوقت ما لم تتخذ إجراءات عاجلة للمعالجة.

وعن دور الجهات الرسمية في التوضيح والمعالجة، بيّن الطوقي أن الجهات المعنية لديها مسؤوليات كبيرة في معالجة هذا الملف فعلى الرغم من أنها قدّمت تبريرات تتعلق بضبط النفقات وإعادة هيكلة منظومة الدعم، إلا أن هذه المبررات لم تُقنع شريحة واسعة من المتضررين. وطالبوا بمزيد من الشفافية وطرح خطط بديلة واضحة المعالم، تشمل برامج تدريبية وإعادة تأهيل وربط مباشر مع الفرص الوظيفية المتاحة. ويقترح الطوقي استحداث صندوق دعم طارئ للمُسرَّحين من العمل، بتمويل مشترك بين الحكومة والقطاع الخاص، إضافة إلى تعزيز دور الجمعيات الأهلية في تقديم الدعم المعيشي المؤقت. كما نأمل أن يتم دعم المنتفعين وتشجيعهم برامج التدريب المقرونة بالتوظيف، وتفعيل الشراكات المجتمعية لضمان ألا يترك أي مواطن يواجه أزمته المعيشية بمفرده.

متطلبات معيشية

وقال الدكتور يوسف بن عوض البلوشي إن قرار عدم تمديد منفعة الأمان الوظيفي أثّر بشكل كبير على المُسرَّحين من أعمالهم؛ حيث زاد من صعوبة تلبية المتطلبات المعيشية الأساسية في ظل ارتفاع تكاليف الحياة، إذ كيف يتصور شخص له مصدر دخل واحد ولديه أسرة ومسؤوليات والتزامات مالية أن يكون فجأة بدون راتب، إذا كان من الصعب تأخر الراتب ليوم واحد، وأن ذلك يخلق مشكلة فكيف عند انقطاع الراتب، كما أن العديد من الأسر التي كانت تعتمد على منفعة الأمان الوظيفي وجدت نفسها فجأة أمام ضغوط مالية ونفسية، خاصة مع عدم وجود بدائل فورية.

وأضاف أن غياب أهم منافع الحماية الاجتماعية أوجد تساؤلات واسعة حول قدرة المنظومة على الاستجابة لاحتياجات الفئات الأكثر ضعفًا، بعض المواطنين شعروا أن مصداقية هذه المنظومة اهتزّت، ليس بسبب القرار وحده، وإنما بسبب غياب البدائل الموازية التي تحافظ على نفس مستوى الأمان الاجتماعي، ولقد رأينا ذلك جليا في مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المرآة الواضحة التي تعكس لنا بشكل جلي آثار ذلك القرار وغيره على المجتمع، ومدى ثقة المجتمع في رؤية "عُمان 2040"، والتي يعقد عليها المواطنون الآمال في ارتفاع مستوى دخل الفرد في السلطنة، وإن إعادة بناء الثقة تتطلب وضوحًا في السياسات وإشراك المجتمع في صياغة الحلول، على الأقل من خلال مجلس الشورى الذي يمثل أعضائه الفئة المنتخبة من قبل المواطنين لإرسال مقترحاتهم وملاحظاتهم للحكومة، كما نرجو تقديم برامج واقعية ومستدامة تضمن أن يكون الدعم لهذه الفئة وغيرها متاحًا عند الحاجة وليس رهين قرارات مؤقتة، كما ينبغي للجان المعنية التي تتخذ مثل هذه القرارات أن تدرس بعناية تبعات القرار على المجتمع من مختلف النواحي.

مُبررات غير مُقنعة

وأوضح أنه من خلال المتابعة يتبين أن شريحة كبيرة من المواطنين ترى أن المبررات المقدمة لعدم تمديد المنفعة لم تكن كافية أو مقنعة بما فيه الكفاية، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع التي لا تزال تتأثر بتقلبات السوق العالمي، ومما يزيد من القلق هو غياب خطة بديلة واضحة المعالم لدعم المتضررين، إذ لم يتم الإعلان عن برامج إحلاليه أو مسارات سريعة لإعادة دمج المُسرَّحين في سوق العمل، والمطلوب اليوم هو وضوح أكبر في الرؤية، وطرح بدائل عملية تراعي الوضع المعيشي والنفسي للمستفيدين، والابتعاد عن إلقاء هذه الحمولة الثقيلة على كاهل الفرق الخيرية والتطوعية فإن عليها من الأعباء ما يكفيها، ولعل من البدائل الجميلة التي طرحت في منصات التواصل إلغاء منظومة إجادة التي أحدثت كثير من الآثار السلبية في المؤسسات الحكومية، وتحويل تلك المبالغ لدعم صندوق الحماية الاجتماعية.

وقال الناشط الاجتماعي مطر بن جمعة بن بطي اليعقوبي إن قرار وقف المنفعة أثار نقاشًا واسعًا بين أوساط الشباب والأسر، وفتح باب التساؤلات حول مستقبل الحماية الاجتماعية في سلطنة عُمان، ومدى قدرة المنظومة الحالية على توفير الدعم الكافي للمُسرَّحين من العمل والباحثين عن وظائف. وأضاف أن المُسرَّحين اليوم يشعرون بالقلق من غياب مصدر دعم كان يخفف من حدة الصدمة المالية لفقدان الوظيفة، مؤكدين أن غياب هذه المنفعة يعني مواجهة التزامات مالية مباشرة، مثل الأقساط البنكية أو الإيجارات، دون فترة كافية لإعادة ترتيب أوضاعهم. المُسرَّحين اليوم يشعرون بالقلق من غياب مصدر دعم كان يخفف من حدة الصدمة المالية لفقدان الوظيفة، مؤكدين أن غياب هذه المنفعة يعني مواجهة التزامات مالية مباشرة، مثل الأقساط البنكية أو الإيجارات، دون فترة كافية لإعادة ترتيب أوضاعهم. وتابع أن انقطاع المنفعة يضاعف الضغوط النفسية ويجبرهم أحيانًا على قبول وظائف بأجور منخفضة أو غير ملائمة لتخصصاتهم، لافتًا إلى أن بعض الأسر أثرها النفسي لا يقل خطورة عن الأثر المعيشي؛ حيث يشعر المُعيل بالعجز أمام احتياجات أسرته، مما ينعكس على العلاقات الأسرية والاستقرار النفسي.

ويرى ان عدم كفاءة شبكات الأمان الاجتماعي يزيد من مخاطر تفاقم المشكلات الاجتماعية مثل الديون، والاعتماد المفرط على المساعدات الخيرية، لافتًا إلى أن هناك مؤشرات مقلقة على زيادة طلبات المساعدة من الجمعيات الخيرية، إضافة إلى تزايد قصص الشباب الذين اضطروا للانتقال إلى أعمال مؤقتة بأجور زهيدة. وتابع القول: "رغم الإعلان عن برامج تدريب وتأهيل، إلا أن هذه الخطط تحتاج إلى وضوح أكبر في معايير الاستفادة والفترة الزمنية المتوقعة لتحقيق نتائج ملموسة. فقرار عدم تمديد منفعة الأمان الوظيفي كشف عن فجوة في منظومة الحماية الاجتماعية، وترك تساؤلات مفتوحة حول التوازن بين اعتبارات الموازنة العامة وحق المواطن في الدعم وقت الأزمات". وأكد أن المواطنين ينتظرون خطوات أكثر شجاعة وشفافية من الجهات المعنية، مع تعزيز دور المجتمع والقطاع الخاص في تحمل جزء من المسؤولية.

حماية العامل

وقال المهندس سالم بن سيف العبدلي (كاتب ومحلل اقتصادي) إن الحكومة عندما قررت تطبيق نظام الحماية الاجتماعية ومنفعة الامان الوظيفي كان الهدف حماية العامل العُماني في القطاع الخاص في حالة تعرضه للتسريح او خروجه من العمل دون سابق انذار؛ إذ إنه في حال توقف هذه المنعة سوف يتضرر العامل كثيرًا، وسيؤثر ذلك على النشاط الاقتصادي داخل البلد، من خلال ضعف الحركة الاقتصادية.

وذكر أن وقف المنفعة يزيد من الضغوط في ملف الباحثين عن عمل، في ظل تضاعف الأرقام، وزيادته سنويًا مع تخريج أفواج جديدة من الدبلوم العالم والجامعات والكليات.

ويرى ضرورة استمرار منفعة الامان الوظيفي حتى يحصل المُسرَّح على وظيفة أخرى، داعيًا إلى تعاون الجميع لحل هذه المشكلة لا سيما القطاع الخاص الذي يجب أن يتعاون مع الحكومة لمصلحة المُسرَّحين والوقوف معهم.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة