80 عامًا من تدريس اللغة العربية بجامعة بكين تترجم قوة العلاقات الثقافية

أ.د. أمين فوتشيمينغ: "كرسي السلطان قابوس" داعم أساسي لأنشطة قسم اللغة العربية بجامعة بكين

...
...
...
...
...

 

◄ 2000 طالب صيني يدرسون اللغة العربية سنويًا في 48 جامعة

 

الرؤية- فيصل السعدي

أكد الأستاذ الدكتور أمين فوتشيمينغ نائب مدير كلية اللغات الأجنبية وأستاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين أن كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين أسهم بدور كبير في كل جهود قسم اللغة العربية، لافتًا إلى أنه بعد مرور 18 عامًا على افتتاح كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين عام 2007، أصبح هذا الكرسي واحدًا من أهم الداعمين لنشر وتعليم اللغة العربية في الصين.

وقال فوتشيمينغ- في تصريحات لـ"الرؤية"- إنه خلال تلك الفترة دعَّم كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين نشر الكثير من الإنتاج العلمي لقسمنا، منها الترجمة العربية لدراسة صينية استمرت لمدة أكثر عشر سنوات بدعم من كرسي السلطان قابوس بعنوان "تاريخ العلاقات الصينية العُمانية"، والتي قام أساتذة من قسمنا بترجمة هذه الدراسة بالتعاون مع جامعة القاهرة في جزئين يضمان أكثر من 600 صفحة إلى اللغة العربية، ونشرت الترجمة العربية بالتعاون مع مكتبة الأنجلو المصرية في يناير عام 2025.

وأوضح فوتشيمينغ أن استعدادات قسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين للاحتفال بمرور 80 عامًا على تأسيس قسم اللغة العربية في جامعة بكين التي تعد من أعرق الجامعات الصينية، تؤكد مدى قوى العلاقات الثقافية التي تجمع الصين مع الدول العربية. وقال إن جامعة بكين، أول جامعة وطنية شاملة في الصين، تأسست عام 1898، وفيها حاليًا 6 قطاعات أكاديمية هي: قطاع العلوم الإنسانية ويضم: (كلية اللغات الأجنبية، وقسم اللغة الصينية، وقسم التاريخ، وقسم الفلسفة والبحوث الدينية، وكلية الآثار، وكلية الفنون)، وقطاع العلوم الاجتماعية ويضم: ( كلية العلاقات الدولية، وكلية الحقوق، وكلية إدارة المعلوماتية، وقسم علم الاجتماع، وكلية الإدارة الحكومية وكلية الإعلام ومعهد البحوث السكانية)، وقطاع العلوم الاقتصادية والإدارية ويضم: (كلية الاقتصاد، وكلية قوانغ هوا للإدارة، وكلية التطور الوطني ... إلخ) وجزء العلوم الطبيعية ويضم: (كلية الرياضيات، وكلية الفيزياء، وكلية الكيمياء، وكلية الأحياء، وكلية العلوم الحضرية والبيئية، وكلية علم النفس)، وقطاع علوم المعلومات والهندسة ويضم: (كلية علوم المعلومات، وكلية تكنولوجيا الحاسوب، وكلية الهندسة، وكليه العلوم البيئية والهندسية، ومعهد البرمجيات والإلكترونيات) وقطاع العلوم الطبية. وجامعة بكين الآن من أقوى 20 جامعة على مستوى العالم، طبقًا لمعايير تصنيف الجامعات العالمية.

وأوضح أنه نظرًا لأن جامعة بكين أول جامعة وطنية شاملة في الصين، فقد وضعت على كاهلها عبء الريادة، فكانت عمليات افتتاح كليات وأقسام جديدة وإنشاء تخصصات علمية مختلفة تتم على قدم وساق طوال الوقت. ومن هذا المنطلق، تواصلت جامعة بكين مع الأستاذ محمد مكين (ما جيان)، ليكون مسؤولا عن تدريس اللغة العربية في جامعة بكين، وبدأ تدريس اللغة العربية في جامعة بكين عام 1946، لتكون لحظة تاريخية فارقة في تعليم اللغة العربية في الصين. وذكر أنه قبل إنشاء قسم اللغة العربية عام 1946، كان تعليم اللغة العربية قاصرًا على أبناء القوميات الصينية المسلمة، وكانت عملية تعليم اللغة العربية تتم بالكامل في ساحات المساجد الصينية، فيما يعرف بـ"التعليم المسجدي"، لكن مع بداية مباشرة الأستاذ الدكتور محمد مكين أعمال تدريس اللغة العربية في جامعة بكين، أصبح تعليم اللغة العربية متاحًا لأول مرة داخل أروقة الجامعات الصينية، ليتاح لجميع الصينيين من كافة القوميات الراغبين في تعلم اللغة العربية فرصة دراسة اللغة العربية وعلومها، وأتخذ تعليم اللغة العربية طابعًا أكاديمًا، ليطلق على هذه المرحلة في تعليم اللغة العربية في الصين، مرحلة "انتقال تعليم اللغة العربية من المسجد إلى الجامعة".

وأوضح أن قرار الجامعة بتكليف الدكتور محمد مكين ليكون أول رئيس لقسم اللغة العربية لم يأت من فراغ؛ حيث إنه عالِم مسلم، وكان من أوائل الطلاب الصينيين الذين درسوا في مصر، وقد درس اللغة العربية وعلومها في الأزهر الشريف وكلية دار العلوم المصرية، وقد لاحظ الدكتور محمد مكين أثناء دراسته في مصر، عدم توافر الكتب العربية المؤلفة أو المترجمة للتعريف بالثقافة الصينية والشعب الصيني، فقام بترجمة كتاب "الحوار" لكونفشيوس ونشره باللغة العربية في مصر، كما ألف كتبًا تعريفية عن المسلمين والإسلام في الصين ونشرها في مصر أيضًا، كما نشر العديد من المقالات باللغة العربية في مصر يعرف فيها بالصين وثقافتها. وتابع أنه عند عودته إلى الصين، بدأ رحلة طويلة استمرت 40 عامًا تقريبًا في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، لتصبح بعد ذلك أشهر نسخة صينية لترجمة معاني القرآن الكريم داخل الصين.

وبيّن أن مشوار السيد الأستاذ الدكتور محمد مكين حافل بالإنجازات العلمية، فهو "مؤسس" التعليم الأكاديمي للغة العربية، وهو أول من ألَّف مناهج جامعية لتعليم اللغة العربية وثقافتها، وقام بترجمة المصطلحات النحوية العربية إلى اللغة الصينية، وكان يواظب على نشر الأبحاث العلمية في مجلات علمية مرموقة، كل هذا وهو يدرّس اللغة العربية لطلابه، والذي كان يزداد عددهم عامًا بعد عام.

وأشار إلى أنه بفضل دعم الدولة الصينية ووزارة التعليم الصينية والكوادر الجامعية التي ضخها قسم اللغة العربية بجامعة بكين في أقسام اللغة العربية، أصبح عدد الجامعات التي تُدرَّس فيها اللغة العربية 48 جامعة، ووصل عدد الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية في الجامعات الصينية 2000 طالب سنويًا.

وبيّن أن قسم اللغة العربية أنجز منظومة تتناسب مع النظام التعليمي الصيني لتعليم اللغة العربية وفقا لقواعد تعلم اللغة العربية، فقد أرسى أساسًا للتعليم الحديث للغة العربية في الصين. إضافة إلى ذلك، فقد أكمل قسم اللغة العربية تحرير (معجم العربية الصينية) (صدرت الطبعة الأولى عام 1966 والطبعة الثانية المنقحة عام 2008) و(معجم الصينية العربية) (صدرت الطبعة الأولى عام 1989 والطبعة الأخيرة المنقحة عام 2013) و(معجم الصينية العربية المبوب) و(معجم الأمثال الصينية العربية) وغيرها من المعاجم التي تعد الأولى من نوعها في الصين، وهي من المعاجم الأساسية التي يستخدمها جميع متعلمي اللغة العربية في الصين.

وذكر أن تدريس الأدب العربي ودراسات الأدب العربي يُعد من أهم ركائز قسم اللغة العربية بجامعة بكين، مشيرًا إلى أن أعظم الباحثين في الأدب العربي قد درسوا أو تخرجوا في هذا القسم، حيث إن واحدًا من أساتذة هذا القسم يتولي الآن منصب رئيس الجمعية الصينية لدراسة الأدب العربي. ولفت إلى أن أساتذة القسم ألَّفوا العديد من الكتب والدراسات عن الأدب العربي، من بينها، (تاريخ الأدب الشرقي)، و(تاريخ الأدب العربي الحديث) و(الغناء للحب: دراسة في شعر الشاعرة الكويتية سعاد الصباح) وغيرها من الدراسات والكتب العديدة في الأدب العربي، فضلًا عن نقل (مختارات الشعر العربي القديم) و(في بيتنا رجل) و(موسم الهجرة إلى الشمال) إلى اللغة الصينية وغيرها من الأعمال المترجمة وأطروحات الدكتوراه التي تختص بأعمال جمال الغيطاني وجبران خليل جبران ونازك الملائكة وغيرهم من الأدباء العرب.

وأكد أن الثقافة العربية الإسلامية تعد جزءًا مهمًا من الثقافات العالمية، التي أثّرت تأثيرا كبيرًا في مجرى تاريخ الحضارة الإنسانية، وهي تربط بين الماضي والحاضر في التواصل بين الشرق والغرب، ومن هنا فقد كانت وستظل تترك آثارًا واسعة وبالغة في الدول الإسلامية الممتدّة من غرب آسيا وشمال إفريقية وآسيا الوسطى وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.

وأوضح أن قسم اللغة العربية بجامعة بكين ينظم العديد من المؤتمرات الطلابية، ومن بينها مؤتمر طلاب الدراسات العليا لتخصص اللغة العربية في الصين، كما ينظم القسم مسابقة الخط العربي سنويًا، ومسابقة المقال العربي لطلاب الجامعات الصينية سنويًا، كما تنظم أقسام اللغة العربية في الجامعات الأخرى مسابقات الترجمة للقصص العربية سنويًا، ومسابقات الترجمة الشفوية لطلاب كليات اللغات الأجنبية منها اللغة العربية سنويًا، ومسابقات الفيديوهات القصيرة عن القصص العربية الصينية، والدورات التربوية لرفع مستوى تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية.

وقال الأستاذ الدكتور أمين فوتشيمينغ إن درة الأنشطة الطلابية لقسم اللغة العربية بجامعة بكين يمثل يتمثل في "بعثة جامعة بكين العابرة للغات والثقافات" (CAMEL)؛ حيث قامت هذه البعثة في الفترة من عام 2019 وحتى عام 2025 بالعديد من الزيارات الميدانية لسلطنة عُمان والسعودية والإمارات وقطر ومصر؛ بمشاركة طلاب من جامعة بكين وتحت إشراف أساتذة متخصصين في الجامعة. وأوضح أن هذه الزيارات الميدانية تهدف إلى أن يتعرف الطلاب الصينيين على ثقافة المجتمعات العربية المعاصرة، وفهم التطور الذي يحدث فيها، وفي كل زيارة ميدانية نتواصل مع العديد من الجهات المعنية والتي من بينها الجامعات والهيئات البحثية العمانية والسعودية والمصرية، التي رحبت بنا واستقبلتنا خير استقبال، وتبادلنا خلال هذه الزيارات الآراء العلمية والأكاديمية حول العديد من الموضوعات العلمية الهامة. وهذه البعثة فريدة من نوعها، لا يوجد مثلها في أي قسم من أقسام اللغة العربية في الصين.

وبيّن أن قسم اللغة العربية بجامعة بكين أقام تبادلًا تعليميًا راسخًا بينه وبين الجامعات العربية والعالمية، وأرسل عددًا كبيرًا من الطلاب والباحثين للدراسة في مصر والعراق، والسعودية، وسلطنة عُمان، وسوريا، وتونس، والسودان، والكويت، ولبنان، وغيرها من الدول العربية وبعض الجامعات الأمريكية والبريطانية.

وذكر أن كرسي السلطان قابوس قدم الدعم لكتاب المقالات الفائزة في مسابقة جامعة بكين للمقال العربي عام 2023، وكُتاب المقالات الفائزة في مسابقة جامعة بكين للمقال العربي عام 2024، واللذان نُشرا أيضًا بالتعاون مع مكتبة الأنجلو المصرية. وفي مجال الترجمة أيضًا، دعم كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين العديد من الأعمال المترجمة من الصينية للعربية، ومن بينها كتاب (الثقافة الصينية) وكتاب (تاريخ العلاقات الصينية العربية) الذي ترجمهما أستاذي الفاضل تشانغ جيا مين. كما دعم الأعمال المترجمة من العربية للصينية مثل الكتب السنوية لعُمان (٢٠١٦، ٢٠١٧، ٢٠١٨، ٢٠٢٠).

كما قام كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين بتنظيم بعثات دراسية للطلاب والطالبات من قسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية في جامعة بكين لزيارة جامعة السلطان قابوس ومعهد السلطان قابوس لتعليم العربية للناطقين وغيرها من الجامعات والهيئات البحثية العمانية، التي استقبلت طلابنا بحفاوة بالغة، وكانت برامجهم التعليمية خير معين لطلابنا على دراسة اللغة العربية وثقافتها. كما دعم كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية أربع دورات من مسابقة الخط العربي، وخمس دورات من مسابقة المقال العربي، وغيرها من المسابقات الوطنية لمساعدة الطلاب على تعلّم اللغة العربية وفهم ثقافاتها بشكل أفضل.

وشدد الأستاذ الدكتور أمين فوتشيمينغ نائب مدير كلية اللغات الأجنبية وأستاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين على أن الإنجازات العلمية لقسم اللغة العربية بجامعة بكين التي سبق ذكرها تُعد مرجعية مهمة للدراسات الأكاديمية في تخصص اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية في الصين. وفي الوقت نفسه، يعد قسم اللغة العربية بجامعة بكين أيضًا مجموعة متميزة من طلاب وطالبات الدكتوراه والماجستير، مما يعزز مكانته الرائدة في جميع الجامعات في أنحاء الصين. كما يتولّى أساتذة قسمنا في الوقت الحاضر مناصب أكاديمية هامة على مستوى الصين، من بينها رئيس رئيس الجمعية الصينية لدراسة الأدب العربي، ومنصب رئيس جمعية تعليم اللغة العربية وتدريسها في الجامعات الصينية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة