خطر الأقنعة.. العلماء المُضلِّلون بين الصف والعدو

 

 

 

عباس المسكري

في تاريخ الأمم لحظات فارقة تتكثف فيها الأخطار وتتقاطع فيها الخيوط حتى يصبح الوقت أثمن ما يُملك والقرار أثقل ما يُتخذ، لحظات لا تحتمل الغفلة ولا التشتت لأن العدو فيها لا يطرق الأبواب فقط؛ بل يسعى إلى اقتحام العقول والضمائر قبل الأرض والحدود، وما نعيشه اليوم في عالمنا العربي والإسلامي ليس إلّا واحدة من تلك اللحظات الحاسمة؛ حيث تتقاطع مطامع الاحتلال مع ألاعيب الداخل في مشهد يختلط فيه الدخان بالغبار فلا يُميز فيه إلّا صاحب البصيرة النافذة.

في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ أمتنا؛ حيث يعلو هدير الخطر على أسوار غزة، وتعلن إسرائيل على الملأ نيتها ابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وحيث تتكشف ملامح المشروع الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط وتفتيت ما بقي من وحدته، ينبعث على نحو مريب حراك مُمنهج من جماعات إسلامية وبعض من علماء السلطة يدعو إلى إثارة الطائفية والهجوم على كل مقاومة ومن يناصرها، وقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بهرطقات كل من يدَّعي العلم يفسرون ويحللون ويحرمون على كيفهم وينعتون من يخالفهم بالضال، ومع ذلك لم يرفع هؤلاء أصواتهم ضد الاحتلال أو المشاريع الخارجية، وكأنهم يعملون بالوكالة لإضعاف الصف العربي وتهيئة الوضع لما هو قادم.

ويزداد الأمر سوءًا عندما نتساءل: لماذا تسكت الأنظمة والحكومات عن هؤلاء العلماء المُضلِّلين وتتركهم يعبثون بنشر الفتن وتفريق الشعوب؟ هل هو تجاهل أم تعاون صامت مع المخططات الخارجية؟ وكيف يسمحون لأصوات مُغرِضة أن تصنع الخلافات بين أبناء الأمة في وقت يحتاج فيه الجميع إلى الوحدة والوعي؟

إنَّ صمت الحكومات يضاعف خطورة هذه الفتن، ويترك المجال مفتوحًا أمام من يريدون العبث بعقول الشعوب وزرع الشقاق بينهم.

إن هؤلاء العلماء المُضلِّلين يمثلون خطرًا جسيمًا على الأمة؛ فهُم لا يزرعون سوى الانقسام ويغذون الكراهية، وكل كلمة باطلة يطلقونها بمثابة سهمٍ يثقب وعي الجماهير، وكل فتوى مغرضة حجرٌ في جدار الانقسام، ومن يتبعهم بلا بصيرة يقع فريسة سهلة للفتن التي يزرعونها، ولذلك يجب على الشعوب العربية أن تكون يقظة لا تغفل وألا تنجر خلف أصوات ضالة تتخفى في لباس الدين بينما هدفها الحقيقي هو تفتيت الصفوف وإضعاف الأمة.

وفي هذا السياق، يبرُز الوعي كأقوى سلاح؛ حيث إن الصف العربي المُوحَّد والوعي الجماعي هما حصن الأمة في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، ومن ينجح في إثارة الفتن لن ينجح إلا إذا وُجد الجهل والتردد في مواجهة الخطر، لذلك يجب على كل فرد أن يكون على يقظة مستمرة، وأن يميز بين من يسعى للوحدة ومن يزرع الانقسام، وأن يقف مع الحقيقة لا مع المصالح المبطنة والخداع المُموَّه؛ فالمعركة الكبرى اليوم هي معركة العقول قبل أن تكون معركة الأرض.

وفي النهاية، تظل الأمة أمام مُفترق طرق، فمن يعي الخطر ويستشعر حجم المؤامرة يسهم في حماية مجتمعه وأرضه، ومن يغفل يسقط في مستنقع الفتنة، فلن يكون هناك مُنقِذ إلّا الوحدة والوعي والثبات على الحق؛ فالعقول هي المعركة الحقيقية التي تحدد مصير الأمة ومستقبلها بين الحرية والانكسار، وبين الصمود والانقسام.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة