الذكاء العاطفي مفتاح الإدارة الحديثة

علي بن حمدان بن محمد البلوشي**

في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها بيئات العمل والمؤسسات في القرن الحادي والعشرين، لم يعد التفوق الإداري مرهونا فقط بالمؤهلات العلمية أو الخبرات الفنية، بل أصبح الذكاء العاطفي أحد أهم الأدوات التي تميز القادة والمديرين الناجحين. فالقدرة على فهم الذات ومشاعر الآخرين، والتحكم في الانفعالات، والتفاعل بإيجابية مع فرق العمل، أصبحت ركائز لا غنى عنها في بيئة العمل الحديثة.

الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) هو القدرة على التعرف على العواطف الذاتية وعواطف الآخرين، وفهمها، وإدارتها بطريقة فعالة. يشمل خمسة أبعاد أساسية: الوعي الذاتي، والتحكم الذاتي، والتحفيز الذاتي، والتعاطف، ومهارات العلاقات الاجتماعية. ويرتبط الذكاء العاطفي بالإدارة الحديثة من خلال دوره المحوري في تحسين جودة التفاعل البشري داخل المؤسسات، وهو ما يُعد ركيزة أساسية في بيئة العمل المعاصرة التي تقوم على العمل الجماعي والمرونة والتحفيز الداخلي.

المدير الذي يمتلك ذكاءً عاطفيًا عاليًا لا يدير فقط سير العمل، بل يدير البشر بما يحملونه من مشاعر ودوافع وطموحات. إن امتلاك هذه المهارات يسهم في تحفيز الموظفين وبث الحماسة في نفوسهم لتحقيق الأهداف وحل المشكلات والنزاعات بطريقة مرنة وبناءة لبناء علاقات مهنية صحية قائمة على الثقة والاحترام. وكذلك رفع مستوى الرضا الوظيفي وتقليل معدلات الاستقالة والتسرب.

تشير الدراسات إلى أن القادة ذوي الذكاء العاطفي العالي يسهمون بنسبة أكبر في رفع كفاءة الأداء المؤسسي، كما أنهم أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات التنظيمية وتوجيه فرق العمل نحو الأهداف المنشودة. ومن النماذج الواقعية لاستخدام الذكاء العاطفي في الإدارة نجد في شركة "جوجل"، على سبيل المثال، اعتمدت فرق القيادة على تدريب المديرين على مهارات الذكاء العاطفي لتعزيز بيئة العمل، ونتج عن ذلك تحسّن ملحوظ في معدلات رضا الموظفين وزيادة مستوى الابتكار.

وفي أحد المشاريع الصحية في سلطنة عمان، قام أحد مديري الإدارات الطبية بالتركيز على الاستماع النشط لموظفيه ومعالجة مخاوفهم بمرونة، مما أسهم في تقليل الخلافات الداخلية وزيادة الإنتاجية بنسبة ملحوظة خلال عام واحد.

أما في قطاع التعليم العالي، فقد أظهرت كليات عدة، بقيادة مديرين يمتلكون ذكاءً عاطفيًا، تحسناً في جودة التعليم والتواصل بين أعضاء الهيئة الأكاديمية والطلبة، مما ساهم في رفع مستوى التقييم المؤسسي.

ومع تزايد الاعتماد على التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، يبقى الذكاء العاطفي هو العامل البشري المكمل لتلك الأدوات. ولتحقيق أفضل استفادة، يمكن للمديرين استخدام أساليب عديدة  منها: برامج التدريب والتطوير المهني التي تركز على تنمية المهارات العاطفية والاجتماعية، والاستفادة  من آليات التغذية الراجعة البناءة  لتعزيز التواصل الفعّال بين الموظفين والمديرين، واستخدام أنظمة التقييم القائمة على السلوك وليس فقط على النتائج الرقمية، كما إن التقدير المعنوي يعزز من دافعية العاملين، خاصة مع التوازن بين استخدام التكنولوجيا والاهتمام بالعنصر البشري لضمان استدامة العلاقات المؤسسية.

ختاما وفي عصر الإدارة الحديثة، لم يعد يقاس نجاح المدير بقدرته على ضبط العمليات فحسب، بل بقدرته على إدارة المشاعر، وبناء بيئة عمل محفزة، واستثمار القدرات البشرية. الذكاء العاطفي هو البوصلة التي توجه المديرين نحو أداء مؤسسي متزن ومستدام، وهو ما يستدعي من القادة المعاصرين تبني نهج إداري متكامل يجمع بين التقنية والمعرفة والوعي العاطفي، لتحقيق التوازن المنشود والتميز المؤسسي في عالم سريع التغير.

**أستاذ مساعد في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة