"ترند جديد"


جابر حسين العماني

عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

Jaber.alomani14@gmail.com

نعيش في زمن السرعة العجيبة، والأفكار التافهة المريبة، والتي تتحول أحيانا إلى ما يسمى بـ"الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل التحدي، والرقص، ومقاطع الضحك السخيفة التي تستهوي الناس دون وعي، وهي في حد ذاتها جزء لا يتجزأ من التأثير المباشر على المجتمع وأفراده.
يتسيد الترند اليوم المشهد الاجتماعي والأسري، ولكنه في كثير من الأحيان يمحى من الذاكرة سريعًا، بل وينسى في أقل من أربعة وعشرين ساعة، وهو حالة وقتية لا أكثر من ذلك، في حين أن المؤثرين الحقيقيين على منصات التواصل الاجتماعي هم فقط أولئك الذين يسهمون في نشر الوعي الاجتماعي، بهدف تنمية العقول وتهذيب الأخلاق، والحفاظ على القيم والمبادئ الإنسانية، بعيدا عن الهرج والمرج.

إن المتأمل في أحوال ما يسمى بـ"الترند" على شبكات التواصل الاجتماعي يرى أن هذا الأمر يُصنع في كثير من الأحيان بمقاطع ساخرة، مبنية على الضحك والاستهزاء وإثارة الجدل الذي لا فائدة منه، وأحيانا بنشر الإسقاطات الأخلاقية التي لا قيمة لها في ديننا وعاداتنا وقيمنا الاجتماعية والأسرية.
وعندما نريد الحديث عن المؤثرين الحقيقيين في المجتمع لا بد أن نعلم أنهم الوحيدون الذين يقدمون لمجتمعاتهم المصداقية والخير والصلاح، وذلك من خلال تمسكهم بالقيم الإنسانية النبيلة التي تربوا عليها، والتي لا تثير الجدل بين أبناء المجتمع، بل تزرع الكثير من المحبة والمودة والخير لأفراد المجتمع.

ليس كل مشهور نراه على مواقع التواصل يعد مؤثرا، فهناك من يسعى جاهدا للشهرة والتأثير على المتابعين من خلال الاعتماد على الحماقات والسخافات التي لا فائدة منها ولا جدوى، بينما هناك من يصعد إلى الشهرة الحقيقية ولكن بالكلمة الطيبة والمحتوى الهادف واللائق الذي يليق بالمجتمع الواعي والمتزن بفكره وأخلاقه وقيمه ومبادئه، بحيث يرتقون نحو حياة أفضل وأجمل بمواقفهم النبيلة، بينما في الوقت نفسه هناك من يختفون تماما بمجرد اختفاء الترند، ويبقى المؤثرون الحقيقيون الذين لا غنى عنهم، بينما تنتهي مهمة أصحاب الترند الزائف.

ونحن في زمن الترندات علينا ألا ننخدع بها وبأشكالها ومسمياتها، وأن لا نتأثر سوى بالمؤثرين الحقيقين على شبكات التواصل المختلفة، فالتأثير اليوم لا يقاس بالسرعة والمباهات وكثرة اللايكات والمشاركات من خلال الشبكات العنكبوتية، وإنما يقاس بالوعي المجتمعي وتحرير الضمائر العربية والاسلامية والإنسانية من جرائم الفساد الإلكتروني في المجتمع والأسرة، وهو الأولى والأهم لمجتمعاتنا وأسرنا العربية والاسلامية.
إن أخطر شيء يمكن الحديث عنه في ثقافة الترند هو عندما يحول بعض الناس كل شيء إلى شاشة عرض يطلع عليها الجميع فتجد البعض يوثق

ما يدور في عائلته، ويمثل الألم والحزن والهم، وأحيانا يفتعل الضحك المصطنع، وذلك بهدف زيادة المشاهدات واللايكات.

لذا ينبغي على كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أن يسألوا أنفسهم: كيف نتعامل مع ثقافة الترندات المختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي؟
والإجابة هنا تحمل العديد من الإجابات ولكني سأكتفي بذكر الآتي فقط:
على كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الاهتمام بالمحتويات الهادفة والابتعاد عن المحتويات الهابطة، والعمل الجاد على الاستخدام الأمثل وتجنب الآتي:

• أولًا: تجنب التبعية العمياء، فليس كل ما ينشر يستحق أن تتابعه وتهتم به، فلا تشغل نفسك بكل شيء يروج له على مواقع التواصل الاجتماعي، بل اكتفي بما تراه مفيدا لك.

• ثانيًا: إذا وقعت عينيك على الترند الذي يروج له بقوة عليك أن تحكم عقلك أولًا، ثم اسأل نفسك مرات عديدة: هل هذا الترند مفيد لي، وهل سيضيف لي شيئا؟

• ثالثًا: كن أنت الصانع الحقيقي وليس مجرد تابع لما تراه على شبكات التواصل، لذا لا تكرر ما يقوله أصحاب الترندات، بل فكر جيدًا، وميّز ما تراه أمامك، وخذ ما يفيد واترك ما يضر.

وعلى مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي التحلي بالعقلانية والحكمة، واتباع كل ما هو مفيد، والابتعاد عن كل ما هو ضار، فهناك اليوم من يعمل جاهدا على نشر الفساد، بهدف طمس الهوية العربية والإسلامية ومبادئها وقيمها الجميلة، وجعلها هوية رخيصة لا قيمة لها، وذلك من خلال إشغال العقل العربي بترند الطعام ودمية لابوبو والكركم والرقص والإباحيات وغيرها من الثقافات الغربية الهابطة التي ليس لها صلة بعاداتنا وقيمنا الدينية والاجتماعية، فهل سننتبه لذلك أم سنخضع لثقافة الترند الغربية؟
وفي الختام يمكن أن نتأمل في حديث أمير البيان علي بن أبي طالب، حيث قال:(اَلنَّاسُ ثَلاَثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ اَلْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ) ونجد فيه موقعنا في كيفية التعامل مع كل ترند جديد.

   

 

الأكثر قراءة