ليظل ويبقى بيننا "الجميل" جميلًا

خالد بن سعد الشنفري

الجميل، أحد مسميات عادة قديمة متبعة فيما يسمى بالمسؤولية أو المساهمة المجتمعية لإعانة المقدمين على الزواج في التخفيف من تكاليفه عليهم من مهر وولائم العرس وغيرها من المصاريف، للتشجيع والتيسير للأبناء لتكوين أسرة جديدة في المجتمع، وهي عادة قديمة ومتجذرة في المجتمع الظفاري، ويتفرد بها عن غيره من مجتمعات محافظات السلطنة والكثير من المجتمعات ويغبطونه عليها.

إن تعدد مسميات هذه العادة أو العرف الذي أصبح عليه، مثل: الواجب، الدفتر، المحوشة، الجميل، لَدليل على أهميتها لديهم؛ (كن جميلاً ترى الوجود جميلاً). في النهاية، هي موروث ورثوه عن الأجداد وتناقلته الأجيال حتى وصل إلينا اليوم.

بعد مقالي قبل عدة أيام في صحيفة الرؤية العمانية بعنوان: (ارتفاع تكاليف الزواج... إلى أين؟)، وتوالي عبارات الاستحسان والثناء عليه، والمطالبة من القراء، وخصوصًا من أبناء المحافظة، بالمزيد من الكتابة حوله والتسليط على أهمية المحافظة عليه في ظل ما يمر به مجتمعنا من تغيرات اقتصادية واجتماعية؛ ولِبالغ أهميته، كونه يتعلق بأهم مشروع يقدم عليه الإنسان في حياته، ألا وهو الزواج، (سنة الله في خلقه، وسنة الأنبياء والمرسلين)، والحثّ على التناسل والتكاثر؛ كما في الحديث الشريف: "تناكحوا تناسلوا، فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة" صدق رسول الله ﷺ.

ومن أجل أن تتحقق لهذه الأسرة الجديدة السعادة الزوجية، لتتمكن من تشكيل نواة صالحة في المجتمع، ابتدَع آباؤنا الأوائل فكرة هذا "الواجب" أو "الجميل". لذا، وجب علينا أن نحافظ عليه نحن أيضًا، ولو من باب الوفاء بجميلهم علينا.

أعتقد أنه سيتفق معي الكثير، إذا لم يكن الجميع، بأن ما وصلنا إليه اليوم من مغالاة في تكاليف الزواج، يُخشى معه بالتالي أن ندخل بذلك إلى دائرة المسرفين، والعياذ بالله، دون أن نقصد بالطبع، فحاشاكم جميعًا من ذلك. وفي ظل مفاهيم براقة مثل: فرح العمر، وليلة العمر، والظهور بمظهر أفضل من الآخرين، فيها قد لا نلتفت إلى أننا نغالي في مظاهر هذا الفرح، وهذا الإسراف في هذه الليلة، ونسرف بذلك من أجل إظهاره في أفضل صورة، وبالتالي نضطر، ويضطر أبناؤنا، للاستدانة من البنوك في بداية حياتهم الزوجية لإظهار الفرحة بهذا اليوم السعيد، والفرحة المنشودة غير المبررة أصلًا، وندخلهم بذلك إلى نوع من العبودية للبنوك الدائنة، لزمن لا يعلمه إلا الله مداه، وقد لا يخرجون من عنق زجاجته الضيقة، وبالتالي لا شيء سيتخلف من جراء ذلك إلا الاضطراب الأسري لحياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والشقاء والتعاسة بدلًا عن الهناء والسعادة المنشودتين، وهذا ما يخلفه الدين الاستهلاكي غير المبرر عادة (همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار)، ولا تستقيم حياة أسرية هانئة، ولن يُربى في ظل عدم الاستقرار، أبناء تربية حسنة صالحة، والأسرة الجديدة قد أصبحت ما هي عليه من همٍّ وذلّ."

فلنتقِ الله، إخوتي، في أنفسنا وفي أبنائنا، ويحب أن نهب جميعًا هبة رجل واحد، ونقول لهذه المغالاة في تكاليف الزواج: إلى هنا وكفى، ولنُغيّر ما بأنفسنا حتى يغيّر الله لنا ما هو خيرٌ مما وصلت إليه الأمور في هذا الجانب، وقبل أن تنعكس سلبًا على عاداتنا الجميلة في التعاون والتكاتف في إعانة المتزوجين من أبنائنا، ونوقف كل ذلك ونرجع به إلى الحد المعقول والمقبول.

فالإقدام على الزواج هو إقدام على تحقيق سنّة إلهية في الأساس، وليس كرنفال أفراح تنافسي، ويفترض أن يتحقق بمجرد الإشهار والمشاركة (أولِم ولو بشاة). ومن جانب آخر، علينا أيضًا مراعاة ظروف من حولنا من المساهمين في هذا الواجب المادي، والذين انبروا بنخوة وشهامة، رغم كل ما يمرّون به من ظروف حاليًا، للمشاركة المادية والمعنوية (ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة).

بصريح العبارة، ومِلءُ الفم نقولها، وبعد أن أشبعنا الموضوع حوارات جانبية بيننا دون نتيجة، ويمرّ بعد ذلك مرور الكرام دون حل، وعليه، فلا بد من الشجاعة الأدبية والمواجهة الحقيقية، وإبراز هذا الموضوع للعلن بيننا والتوقف للمعالجة.

واجتهاد شخصي مني كفرد من هذا المجتمع لإيجاد بعض حلول أعتقد قد تكون ناجعة وتساعد على الحدّ من هذا الارتفاع في التكاليف؛ بما أن متوسط المهور حاليًا عندنا في حدود خمسة آلاف ريال عماني، وهو يعد معقولا في ظل الغلاء الحالي في الأسعار، أرى أن على أهل العروس، الذين نعلم جميعُنا بأنهم يدفعون حاليًا ضعف مهر ابنتهم فيما يُسمّى (جهاز العروس)، وأن هذا الجهاز أو التجهيز قد تنامى باطراد ومغالاة في الآونة الأخيرة دون مبرر ولا داعٍ، عليه فإن تجهيز العروس بمهرها الذي حُدِّد لها أساسًا يُفترض أن يفي بالغرض منه، وبالتالي لا ضرر ولا ضرار، وهذه قاعدة شرعية، فالعريس أساسًا لا يطلب إلا عروسته، وهي أفضل هدية تُقدَّم له.

ثم إن هدية الخطوبة بدورها أصبحت خارجة عن إطار الهدية المتعارف عليها، وأصبحت تتجاوز حدود ألفَي ريال عماني، ولا داعي لها، أيها العريس الهمام، فأنت أفضل هدية أساسًا لعروستك. كذلك، هدية الزوج ليلة الدخلة لزوجته وأمها (الخالة): ألف ريال أو قيمتها ذهبًا للعروس، وخمسمائة ريال عماني أو قيمتها ذهبًا لأم العروس، يُفترض أن تقتصر على أم العروس فقط، كما عرفناه سابقًا، لأن العروس هديتها يُفترض ألا تُقدَّر بثمن، فالهدية هدية، وليست مهرًا جديدًا.

أخيرًا، وليس آخرًا، الوليمة -سواء كانت في قاعة أو خيمة- ينبغي أن نتجنب الإسراف فيها قدر الإمكان، فقد أصبحت تُناهز خمسة آلاف ريال عماني، أي عشرة آلاف لبوفيه الرجال والنساء، وتُعتبر كثيرة لعريس متوسط الحال، ومعظمنا اليوم أقل من متوسطي الحال في هذا الوقت العصيب على الجميع. فحبّذا لو عدنا إلى وليمة الأعراس القديمة، وتُعتبر موروثًا وتراثًا معنويًا، والمكونة من قبولي اللحم أو مرقة اللحم بالأرز (التقزّوحة)، مع الحلوى العُمانية والبارد والقهوة.

ونأتي أخيرًا إلى مربط الفرس، وهو مبلغ الواجب أو الدفتر أو الجميل، والذي إذا طبقنا المقترحات أعلاه، سنجد أن تكاليف الزواج قد تناقصت إلى أقل من 50٪ وأكثر مما هي عليه حاليًا، وبالتالي يمكننا أيضًا من جانب آخر النزول بمبلغ المساهمة (الواجب أو الدفاتر) إلى نصف المبلغ المتعارف عليه حاليًا، وهو 20 ريالًا كحد أدنى إلى 10 ريالات، باستثناء بالطبع فيما بين الأرحام والأهل والأقارب، أو من كان مُقتدرًا ويريد أن يزيد مشكورًا عن ذلك، ونعتبرها في ميزان حسناته. ونضمن بذلك، وهذا هو الأهم، أكبر عدد من الحضور والمشاركة، وهي بيت القصيد في الأول والأخير.

أدام الله علينا نعمة أفراحنا، ونعمة خريفنا، ومواسم زيجاتنا.

 

الأكثر قراءة