ملامح مرحلة أمنية استراتيجية جديدة في الخليج العربي

د. طارق عشيري أكاديمي مقيم بسلطنة عمان

تشهد منطقة الخليج العربي تحولات استراتيجية متسارعة فرضت على دولها تحديات أمنية غير مسبوقة، في ظل بيئة إقليمية مضطربة وتراجع الضمانات التقليدية التي كانت توفرها القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وبينما كانت دول الخليج تعتمد لعقود على تحالفات خارجية لضمان أمنها، بدأت معالم مرحلة جديدة تتشكل، تتطلب إعادة النظر بشكل جذري في مفهوم الأمن القومي وأدواته واستراتيجياته. وتأتي هذه المراجعة في ظل تصاعد التهديدات غير التقليدية، مثل الهجمات السيبرانية، والحروب بالوكالة، وتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، إلى جانب التحديات الداخلية المتعلقة بالاقتصاد والطاقة والبيئة. من هنا، بات من الضروري البحث في ملامح الاستراتيجية الأمنية الخليجية الجديدة، ومحدداتها، ومآلاتها المستقبلية، ضمن إطار إقليمي ودولي متشابك ومعقد، ومع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، وتبدل موازين القوى في الشرق الأوسط، باتت دول الخليج العربي في حاجة ملحة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية. فقد كشفت الأحداث الكبرى في السنوات الأخيرة -من الاتفاق النووي الإيراني، إلى الانسحابات الجزئية للقوات الأمريكية من المنطقة، وصولًا إلى الحروب في اليمن وفلسطين، والتهديدات السيبرانية المتزايدة- عن هشاشة بعض النظم الأمنية التقليدية، واعتماد دول الخليج الكبير على الحماية الأجنبية.

حيث تراجع الدور الأمريكي الذي طالما اعتُبر الضامن الأمني الأول للمنطقة، وباتت تعيد تموضعها، وتركز على مناطق أخرى كآسيا والمحيط الهادئ، ما يجعل دول الخليج مطالبة بتقوية أمنها الذاتي وتوسيع شراكاتها الدفاعية.

 لم تعد التهديدات تقتصر على الجيوش أو الهجمات الصاروخية، بل تشمل الحرب السيبرانية، وتخريب المنشآت النفطية، والحروب بالوكالة، وكلها تتطلب أدوات أمنية واستراتيجيات جديدة.

وتقارب إيران مع دول كالصين وروسيا، ومحاولاتها تطوير منظومتها الدفاعية والهجومية، يزيد من تعقيد المشهد ويضغط على دول الخليج لإعادة التفكير في توازن الردع.

وقراءة أكثر تعمقا، أن دول الخليج بدأت تنوّع مصادر تسليحها وتحالفاتها (مثل التعاون مع فرنسا، والصين، والهند، وتركيا)، بهدف تقليل الاعتماد على طرف واحد.

وهناك حديث متزايد عن ضرورة تطوير "أمن خليجي موحد"، من خلال تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي كمنصة تنسيق أمني جماعي بدلًا من اعتماد كل دولة على حدة.

وهذا يفرض ملامح استراتيجية أمنية جديدة تعمل على تعزيز التصنيع العسكري المحلي لتقليل التبعية الخارجية، وتبني الأمن السيبراني كأولوية وطنية، وبناء تحالفات إقليمية جديدة تشمل دولًا مثل الأردن ومصر، والانخراط في ترتيبات أمنية مرنة ومتعددة الأقطاب، لا تقتصر على الغرب والعمل على دمج الأمن الاقتصادي والطاقي ضمن المنظومة الأمنية.

بالطبع، إليك خاتمة مناسبة للمقال الذي يبدأ بالمقدمة السابقة عن إعادة النظر في الاستراتيجيات الأمنية لدول الخليج.

في ظل عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لم يعد بالإمكان لدول الخليج الاعتماد على مفاهيم أمنية تقليدية أو تحالفات أحادية الجانب. إن مستقبل الأمن الخليجي مرهون بقدرة هذه الدول على تطوير رؤية استراتيجية شاملة، تعتمد على تنويع الشراكات، وتعزيز القدرات الذاتية، ودمج الأمن الاقتصادي والتكنولوجي ضمن منظومتها الدفاعية. فالمعادلات الجديدة تتطلب أدوات جديدة، والتحديات التي يفرضها الحاضر لا يمكن مواجهتها بذات الآليات التي صيغت في الماضي. ومن هنا، فإن إعادة النظر في الاستراتيجيات الأمنية لم تعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لضمان الاستقرار والسيادة في بيئة إقليمية لا تعرف الثبات.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة