أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
عكس كل التوقعات السياسية أقدمت الولايات المتحدة على قصف مواقع نووية داخل إيران في خطوة اعتُبرت تصعيدًا خطيرًا لا يُمكن فصله عن مشروع الهيمنة الصهيوأمريكية الذي يستهدف إخضاع المنطقة وقواها الفاعلة. هذا الاعتداء لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة دموية مفادها أن واشنطن وتل أبيب ماضيتان في مخطط ضرب كل قوة ترفض الانصياع لمعادلة الخضوع والتطبيع وتتمسك بسيادتها وقرارها الوطني.
استمرار الغطرسة والصلف الصهيوأمريكي بات يهدد ليس فقط إيران؛ بل الاستقرار الإقليمي ككل. فالمنطقة تتحول تدريجيًا إلى ساحة مفتوحة للابتزاز العسكري والسياسي، تُفرض فيها السياسات بقوة السلاح لا عبر احترام القوانين الدولية أو المواثيق الإنسانية. القصف لم يكن استهدافًا تقنيًا لمنشآت نووية بقدر ما كان خطوة محسوبة لتقويض القدرات الإيرانية وتقديم خدمة مجانية للكيان الصهيوني الذي طالما عبّر عن خشيته من تعاظم القدرات الدفاعية الإيرانية ودورها الإقليمي الداعم لحركات المقاومة.
ووسط هذا المشهد المشتعل لا بد من طرح سؤال جوهري: ما هي حقيقة المصالح الأمريكية في المنطقة، وهل ما زالت واشنطن تمارس دور "الضامن للاستقرار" كما تزعم، أم أنها تحوّلت إلى أكبر مهدّد له؟ فكل تحرّك أمريكي في العقدين الأخيرين أفضى إلى فوضى مدمّرة: من العراق إلى سوريا، ومن ليبيا إلى اليمن، والآن إيران. واشنطن لم تعد تسعى فقط لحماية مصالحها بقدر ما تعمل على ضمان تفوّق إسرائيل بأي وسيلة، حتى لو كان الثمن إشعال حرب إقليمية شاملة.
هذه الضربة وإن وُجّهت إلى إيران، فإن ارتداداتها تطال أطرافًا عديدة، وعلى رأسها فصائل المقاومة الفلسطينية؛ إذ يُتوقع أن تنعكس على ديناميكيات الصراع مع الاحتلال، فكل إضعاف للداعم الإقليمي الأول للمقاومة وغياب دعم عربي، يفتح المجال أمام العدو للتمدد ميدانيًا وسياسيًا.
من شأن هذا القصف أن يدفع الكيان الصهيوني إلى استغلال اللحظة لفرض مزيد من الوقائع على الأرض؛ سواء في القدس أو الضفة أو غزة، في ظل رهان واضح على انشغال طهران وارتباك محور المقاومة. وفي المقابل، فإن ردة الفعل الإيرانية ستكون محددة مرحليا ليس فقط لمستقبل الصراع مع واشنطن وتل أبيب، بل أيضًا لمعادلات الدعم والردع التي تستند إليها المقاومة الفلسطينية وسواها من القوى التحررية في المنطقة.
اليوم، إيران أمام مفترق طرق حاسم: إما أن ترد بقوة تُعيد الاعتبار للردع الاستراتيجي وتكسر منطق العربدة العسكرية، أو أن تتعامل مع الحادثة كملف قابل للتفاوض بما يفتح الباب أمام مزيد من التنازلات.
الخطورة لا تكمن فقط في طبيعة الضربة، بل في كيفية التعاطي معها. الردّ الحاسم الذي بات شرطًا لحفظ ماء الوجه، وتأكيد أن معادلة الردع ما زالت قائمة. أما الرهان على التهدئة والدبلوماسية في ظل هذا الإرهاب الصهيوأمريكي فهو وَهْمٌ مُكلِّف، قد تترتب عليه خسائر مضاعفة في قادم الأيام.
لقد آن الأوان للتأكيد أن زمن استباحة الدول تحت مسمى الأمن القومي الأمريكي أو "حماية الحلفاء" قد ولّى، وأن اليد التي تمتد لضرب السيادة الوطنية لن تُترك بلا حساب. لم يعد كافيًا إصدار بيانات الشجب أو عقد الجلسات الطارئة. نحن أمام مشروع عدواني لا يردعه سوى موقف شجاع يضع حدًّا لهذه العربدة، ويرسم حدود النار والسيادة بوضوح.
وفي النهاية، لا يُقاس موقع الدول في التاريخ بعدد المرات التي تجنّبت فيها المواجهة، بل بالمرات التي نهضت فيها في لحظة الشك، وأكدت حضورها كدولة لا تُستباح.
إيران اليوم في قلب هذه اللحظة. فهل سترد بما يليق؟ أم ستفتح الباب لجولة جديدة من المساومات والتراجعات؟ الإجابة لا تخصّ طهران وحدها، بل تحدد مصير أمة كاملة تخوض معركة وجود لا تقبل أنصاف المواقف.