أحمد بن ناصر الفارسي
في قاعةٍ مضاءة بأناقة في العاصمة البريطانية لندن، حيث تلتقي النُخَب من مختلف أنحاء العالم، صعد اسم عُمانيٌّ بهدوءٍ وجلال إلى منصة التكريم: صاحبة السُّمو السيدة ميّان بنت شهاب بن طارق آل سعيد. لم يكن الحفل مجرد مناسبة احتفالية، بل كان لحظة اعتراف دولي بدورٍ أنثوي يحمل ثقافة بلد، ووعي جيل، ورؤية مختلفة لكلمة "الريادة".
فازت السيدة ميّان بجائزة المرأة العربية لعام 2025 في مجال التأثير الاجتماعي، تكريمًا لمساهماتها الواسعة في دعم المبادرات الشبابية، وتمكين المرأة، وتكريس مفاهيم الابتكار المجتمعي، وهي مجالات لا تزال - في كثير من أنحاء العالم - حكرًا على المبادرات المؤسسية الكبرى، لا على جهود الأفراد.
صنعت السيدة ميّان لنفسها هويةً مستقلة. درست التصميم الداخلي في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، ثم التحقت بجامعة برونيل البريطانية لنيل الماجستير في استراتيجيات التصميم والابتكار، قبل أن تواصل دراستها العليا في برنامج MBA عالمي في الكلية الإمبراطورية بلندن، واحدة من أعرق المؤسسات الأكاديمية في العالم.
بعيدًا عن الألقاب، اختارت ميّان لغة الفن وسيلة للتعبير. أقامت معرضها الفني الأول "شظايا من الخيال" في عام 2021، تبرعت بكامل عائداته لدعم الأطفال المحتاجين. رسمت بأسلوب سريالي يمزج الضوء بالرمز، والحنين بالحركة. ولم يكن المعرض مشروعًا جماليًا فقط، بل فعلًا إنسانيًا متكاملًا.
شغلت منصب رئيسة مجلس إدارة الجمعية العُمانية للتصميم، وأطلقت مبادرات خلاقة لدمج الثقافة العمانية بالتطبيقات التصميمية المعاصرة. وفي الوقت ذاته، ترأست منصة "دوام" الهادفة إلى تمكين النساء المبدعات في مجالات الفن وريادة الأعمال.
كل إنجازاتها لم تكن مجرد سطور في سيرة ذاتية، بل بصمة متصلة بجوهر المجتمع العُماني. ساندت مؤسسات الرعاية والأمومة، نظّمت حملات لدعم التعليم الرقمي في المناطق ذات الدخل المحدود، ووقفت خلف عدد من المبادرات التي تجمع بين الجمال والعدالة الاجتماعية.
ربما يرى البعض فيها "الأميرة الفنانة"، لكنها في جوهرها قائدة هادئة تصوغ تأثيرها بالألوان والعمل الميداني لا بالخطابات. هي امتداد طبيعي لصورة المرأة العُمانية المعاصرة: معتزّة بجذورها، منفتحة على المستقبل، واعية بدورها.
جائزة المرأة العربية لم تأتِ صدفة. لقد كانت تتويجًا لمسيرة بدأت بخطوات رقيقة على طريق الفن، ثم اتسعت لتصبح طريقًا عُمانيًا ناعمًا نحو العالم، بلغة فيها الكثير من التصميم… والكثير من الإنسانية.
في عالمٍ سريع الإيقاع، بات فيه التأثير مقترنًا بالصخب، تأتي ميّان بنت شهاب كحالة استثنائية: امرأة تؤمن بأنَّ الهدوء قوة، وأنَّ الفن رسالة، وأنَّ العمل المجتمعي الحقيقي لا يُطلب له تصفيق، بل يُطلب له أثر.