تشو شيوان **
بعد أن عُقدت محادثات اقتصادية وتجارية رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة في جنيف بسويسرا في الفترة من 10 إلى 11 مايو الجاري، توصل الطرفان إلى اتفاق لتخفيض الرسوم الجمركية بين البلدين لمدة 90 يومًا، وهو ما يمثل محاولة لتهدئة هذه التوترات بين البلدين، حيث شهدت العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة توترات متصاعدة أثرت سلبًا على الاقتصاد العالمي.
وبوجهة نظري، أجد أن هذا الاتفاق المؤقت يُعد فرصة لالتقاط الأنفاس وإتاحة المجال لمفاوضات أطول أمدًا تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة للعلاقات التجارية بينهما. ويشير هذا التطور إلى إدراك مشترك من كلا الطرفين للآثار السلبية الناجمة عن استمرار النزاعات التجارية على اقتصاداتهما وعلى المشهد الاقتصادي العالمي برمته.
ولعل من أهم المكاسب الاقتصادية للصين من خلال هذا الاتفاق، أنه قد يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الصينية من قبل المستوردين الأمريكيين؛ حيث سيؤدي ذلك إلى خفض تكلفة هذه المنتجات، ويمكن أن يفيد هذا المصنعين والمصدرين الصينيين، مما قد يؤدي إلى زيادة مستويات إنتاجهم وإيراداتهم. فالرسوم الجمركية المنخفضة تجعل السلع الصينية أكثر جاذبية من حيث السعر للمشترين الأمريكيين، وهذا المبدأ الاقتصادي الأساسي يشير إلى أنه مع انخفاض التكاليف فمن المرجح أن ترتفع كمية المنتجات الصينية التي تشتريها الولايات المتحدة.
كما يمكن أن يساعد خفض الرسوم الجمركية في استقرار قطاع التصنيع من خلال ضمان تدفق أكثر اتساقًا لطلبات التصدير. فالإعلان عن الاتفاق يمثل فرصة لعكس الاتجاه السلبي وتحويله إلى انتعاش في الإنتاج الصناعي. أيضًا، يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى تعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الصيني، وقد لوحظ أداء إيجابي في أسواق الأسهم الصينية بعد الإعلان. يشير رد الفعل الإيجابي في الأسواق المالية الصينية إلى أن المستثمرين ينظرون إلى خفض الرسوم الجمركية كإشارة إيجابية لآفاق الاقتصاد الصيني. فالقفزة في سوق هونغ كونغ للأوراق المالية تدل على أن المستثمرين أكثر تفاؤلًا بشأن مستقبل الشركات الصينية.
على جانب آخر، سيؤدي خفض الصين لرسومها الجمركية على السلع الأمريكية (من 125% إلى 10%) إلى جعل المنتجات الأمريكية أرخص بالنسبة للمستهلكين والشركات الصينية، مما قد يؤدي إلى زيادة الواردات من الولايات المتحدة. وهذا يمكن أن يفيد قطاعات مثل الزراعة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة، وهنا يكمن المكسب المشترك لكلا الطرفين. وعلى الرغم من أن التركيز قد يكون على الصادرات الصينية، إلا أن الانخفاض الكبير في رسومها الجمركية يفتح فرصًا للشركات الأمريكية لبيع المزيد من السلع داخل الصين. فتخفيض الرسوم الجمركية من 125% إلى 10% يعتبر كبيرًا جدًا، وسيؤدي ذلك إلى جعل المنتجات الأمريكية أكثر تنافسية في السوق الصينية، مما قد يؤدي إلى زيادة المبيعات والإيرادات للشركات الأمريكية التي تصدر إلى الصين.
ويمكن أن يؤدي انخفاض تكاليف الاستيراد إلى تقليل نفقات الإنتاج للشركات الأمريكية التي تعتمد على المكونات والمواد الخام الصينية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشجع انخفاض حالة عدم اليقين في السياسة التجارية الشركات على الاستثمار والتوسع. وقد قوبل الإعلان عن هذا التخفيض المؤقت للرسوم الجمركية بتفاؤل حذر من الشركات الأمريكية التي تتطلع إلى الاستقرار وتهدئة النزاع التجاري في نهاية المطاف. ويشير هذا الترقب للاستقرار من قبل الشركات الأمريكية إلى أن حالة عدم اليقين التي سببتها الحرب التجارية كانت عائقًا كبيرًا أمام عملياتها وخططها المستقبلية. فالهدنة التجارية المؤقتة تمنح هذه الشركات فرصة لإعادة تقييم استراتيجياتها واستثماراتها في بيئة أكثر استقرارًا، وهذا ما يجب أن تفهمه الولايات المتحدة لما يعود بالنفع على شركاتها المحلية وأسواقها الداخلية.
في النهاية، يمكننا القول والتأكيد مرة أخرى إن اتفاق خفض الرسوم الجمركية الأمريكي الصيني لمدة 90 يومًا فيه مكاسب اقتصادية لكلا البلدين. بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي إلى تخفيف الضغوط التضخمية وتحسين ثقة الأعمال، بالإضافة إلى تأثيرات إيجابية على الأسواق المالية وإمكانية زيادة الصادرات إلى الصين. أما بالنسبة للصين، فيمكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب على الصادرات واستقرار قطاع التصنيع وتحسين ثقة المستثمرين، وإمكانية زيادة الواردات من الولايات المتحدة.
أيضًا، هناك نقطة مهمة، إن للاتفاق تأثيرًا إيجابيًا على التجارة العالمية من خلال الحد من حالة عدم اليقين وتحسين معنويات السوق.
ولذلك من الضروري تذكُّر أن هذا الاتفاق مؤقت، وأن النتائج طويلة الأجل ستعتمد على المفاوضات المستقبلية بين البلدين. ويأمل العالم بعالم أكثر استقرارًا تجاريًا، ويجب أن تتفهم الولايات المتحدة هذه الآمال وتعززها من خلال شراكات لا نزاعات، تفاهمات لا حروب ومناورات.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية