فايزة سويلم الكلبانية
الإعلام والتواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي يشكلان منصة محورية لتداول الأخبار والمعلومات وتشكيل الرأي العام. ومع تطور وسائل الاتصال الحديثة، أصبح بإمكان الأفراد والجماعات التعبير عن آرائهم بشكل أسرع وأكثر تأثيرًا، إلّا أنَّ هذه الساحة المفتوحة تحمل في طياتها تحديات كبيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصريحات المسؤولين وتأثيرها على الرأي العام، كما نشهد هذه الأيام.
من القضايا التي أثارت جدلًا واسعًا مؤخرًا التصريحات المُتعلقة بمكافآت المجيدين والمتميزين في لقاء "إجادة". ورغم التأكيد على أهمية العمل بدافع الولاء للوطن دون انتظار مكافآت، إلّا أن هذه التصريحات أثارت حساسية لدى البعض؛ حيث رأى المواطنون فيها تجاهلًا لحقوق الموظفين المتميزين. وعبّر البعض عن استيائهم بجملة "الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء"، ما يعكس حالة من التوتر بين الطموحات المشروعة للمواطنين وأسلوب إيصال الرسائل الرسمية. هذا يبرز دور المتحدث الإعلامي والمسؤول في تقديم التصريحات بشكل مدروس ودقيق، بحيث تحمل رسائل واضحة ومتوازنة تصل إلى الجمهور دون إثارة استياء أو سوء فهم.
في سياق آخر، تصريحات وزارة العمل بشأن إلزام المشاريع التي أكملت عامًا بتوظيف مواطن عُماني واحد على الأقل، أثارت جدلًا واسعًا، خاصة بين أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، الذين اعتبروا القرار تحديًا كبيرًا في ظل قلة العائد والدخل الذي لا يمكنهم من الالتزام به. وقد أدى ذلك إلى إغلاق بعض المشاريع أو التوجه نحو إغلاق السجلات التجارية هربًا من تطبيق القرار. ورغم أن وزارة العمل وضعت شروطًا وتقنينًا لتنفيذه، إلّا أن الكثيرين يرون أن تطبيقه يحتاج إلى مراجعة تراعي ظروف المشاريع الناشئة لضمان استمراريتها ودعم مساهمتها في الاقتصاد الوطني. وهنا يأتي دور المسؤول في توضيح خلفيات القرار وأهدافه، مع تقديم حلول تناسب مختلف الأطراف لضمان تحقيق توازن بين تطبيق السياسات ودعم الاقتصاد.
على صعيد آخر، تصريحات وظائف العُمانيين في قطر أثارت جدلًا واسعًا؛ حيث رأى البعض أن الحديث عن توفير وظائف في الخارج قد يعكس ضعف التخطيط المحلي لاستيعاب القوى العاملة الوطنية. وبينما يشكل هذا التعاون مع قطر خطوة إيجابية تعكس عمق العلاقات بين البلدين، إلا أنه يجب أن يُنظر إليه كجزء من رؤية متكاملة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء المحلي وخلق فرص مُستدامة داخل السلطنة.
هُنا يتعين على المسؤولين تقديم خطاب إعلامي يعكس رؤية واضحة وشاملة حول أهمية هذه المبادرات، مع طمأنة الجمهور بأنها جزء من خطة وطنية متكاملة.
إنَّ أدوار الإعلام والتواصل الاجتماعي اليوم تفرض ضرورة تطوير آليات التواصل الرسمي لتكون أكثر شمولًا وفعالية، حيث يجب أن تقوم أي مبادرة أو قرار على دراسة متكاملة تشمل كافة الجوانب وتستشير جميع الأطراف المعنية، مع التركيز بشكل خاص على الآثار المباشرة للمواطنين ولاسيما إن كانت تلامس قضايا الباحثين عن عمل.
والتواصل الناجح لا يقتصر على دقة الصياغة ووضوح الرسالة فحسب، بل يتعداه إلى بناء تفاهم مشترك عبر حوار بناء يلامس تطلعات الناس وهمومهم، مما يعزز الثقة ويحقق التكامل بين السياسات الرسمية والاحتياجات المجتمعية، في إطار خدمة الصالح العام وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي الختام.. دور الإعلام والتواصل الاجتماعي لا يقتصر فقط على نقل الأخبار؛ بل يشمل أيضًا التفاعل مع الجمهور وطرح القضايا المهمة للنقاش، ومما لا شك فيه أن المواطنين بمختلف ظروفهم والموظفين على اختلاف مواقعهم هم الركيزة الأساسية التي تستند إليها مسيرة التنمية. إن جهودهم وتضحياتهم تمثل العمود الفقري لتقدم الوطن وازدهاره، ومن واجب الجميع، أن يجعلوا هذه الجهود محل تقدير واهتمام دائم؛ فتقدير العمل المخلص ليس مجرد واجب عملي؛ بل هو حافز أساسي لتعزيز الولاء الوطني وتحقيق المزيد من الإنجازات التي تصب في مصلحة الجميع.