د. سلام محمد سفاف
"اكتشف كيف حوّلت شركات عُمانية ناشئة تخطيطها الاستراتيجي إلى ميزة تنافسية حتى في أصعب الأزمات!"
كم من شركات عُمانية بدت واعدةً في انطلاقتها، ثم اختفت فجأةً من السوق؟ كم من خططٍ طموحةٍ وُضعت باهتمامٍ، لكنها تحولت إلى مجرد وثائقَ منسية في الأدراج؟
في ظلِّ تسارع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والتنافسية في السوق العُماني، تواجه الشركات - سواءً كانت كبرى أو ناشئة - تحديًا حاسمًا: كيف تُحول الخطط الاستراتيجية من مجرد نصوص نظرية إلى محركات فعلية للنمو والاستدامة؟
فمع أن معظم القادة يدركون أهمية التخطيط الاستراتيجي، إلا أن العديد منهم يقع في فخ "الفجوة التنفيذية"
في هذه المقالة، سنكشف الأخطاء القاتلة التي تجعل 70% من الاستراتيجيات تفشل في التنفيذ حسب إحصاءات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT للأبحاث، ولعل أهمها هو:
- التخطيط "الساكن" غير المرن: العديد من الشركات تضع خططًا استراتيجية لمدة 5 سنوات بدون مراجعة دورية، بينما السوق العُماني يتغير بسرعة مثل التحول الرقمي، وتقلبات أسعار النفط. فبعض شركات المقاولات العُمانية واجهت خسائر كبيرة بعد ارتفاع أسعار الحديد عالميًا عام 2021 لأنَّ خططها لم تتضمن سيناريوهات لإدارة مخاطر التوريد.
- الفصل بين التخطيط والتنفيذ: تضع الإدارة العليا الخطة بمعزل عن الفرق التنفيذية، مما يؤدي إلى مُقاومة التغيير من الموظفين، وعدم فهم الأهداف على أرض الواقع.
- الاعتماد على "الحدس" بدلًا من البيانات: بعض رواد الأعمال العُمانيين يعتمدون على التجربة الشخصية أو نماذج نجاح قديمة دون تحليل بيانات السوق الحالي.
- إهمال تحليل المنافسين والمحيط الخارجي: بعض الشركات لا تستخدم أدوات مثل PESTEL أوPorter’s Five Forces لفهم التهديدات الخارجية.
وفيما يلي إرشادات عملية لتطبيق التخطيط الاستراتيجي الفعال:
- حول استراتيجيتك إلى "خطة حيَّة" من خلال استخدام إطار OKR (أهداف ونتائج رئيسية) ، وما عليك إلا أن تحدد ثلاثة أهداف سنوية، وقسم كل هدف إلى نتائج ربع سنوية، ثم راجع التقدم شهرياً مع فريقك. وتذكر أن الشركات التي تراجع خطتها بشكل ربع سنوي ترتفع أرباحها بنسبة 30% وفق دراسة أعدتها مجلة هارفارد بزنيس ريفيوHarvard Business Review.
- استثمر في تحليل البيانات، لا تعتمد على تخمين سلوك عملائك، بل ادرس بيانات مبيعاتك وردود أفعال عملائك على وسائل التواصل الاجتماعي.
- اجعل فريقك جزءاً من الخطة وتابع عقد ورش عمل شهرية معهم ولا تتردد بسؤالهم حول العوائق التي تحول دون تنفيذ الخطة الاستراتيجية.
- خصِّص 5% من ميزانيتك للاستعداد للمخاطر، واحتفظ باحتياطي مالي للتكيف مع تغيرات البيئة الخارجية كأسعار المواد الخام.
- ادرس منافسيك بطريقة ذكية وشكل فريقاً لتتبع استراتيجياتهم وتحليل سلوكهم في السوق، وخصص ميزانية للتخطيط الاستراتيجي، فهذا ليس ترفاً أكاديمياً بل هو ضرورة حتمية للنمو، وتذكر بعدم جدوى نسخ الاستراتيجيات غير المناسبة للسوق العماني.
- قُمْ بقياس الأداء شهرياً (وليس سنوياً!) من أجل تتبع معدل رضا العملاء ونسب التنفيذ، وركز على أهمية ربط كل هدف استراتيجي بمؤشرات أداء تقيس مدى تقدم تنفيذه على الأرض، وتكشف عن الثغرات التي تُعيق النمو.
كيف تجعل التخطيط الاستراتيجي محركًا للأرباح؟
كيف فعلتها مجموعة بهوان؟
خلال سبعة عقود (1965-2025)، تحولت مجموعة بهوان العُمانية من شركة تجارية متواضعة إلى نموذجٍ عالميٍ بفضل مرونتها وقدرتها على اكتشاف الفرص والاستعداد الدائم لها، وذلك من خلال استثمارها بالتخطيط الاستراتيجي الديناميكي فهي لم تنجو أمام الأزمات التي واجهتها لأنها الأكبر أو الأقدم، بل لأنها الأكثر مرونة واستعداداً. لقد كان الشيخ سعود بهوان رئيس مجلس الإدارة المؤسس يقول دائماً: "إن التميز ليس مسألة تأتي بمحض الصدفة، إنه مسألة خيار، وهو شيء لا ننتظر وصوله بل يجب علينا تحقيقه".
لقد اكتشفنا معاً أن سرّ نجاح مجموعة بهوان لم يكن في حجم مواردها، بل في كيفية استخدامها لتخطيط ديناميكي، يعتمد على:
- المرونة الاستراتيجية والمراجعة المستمرة بدلاً من التخطيط الجامد، حيث تجري المجموعة التحليل الاستراتيجي سنوياً للتنبؤ بالتحديات واستثمار الفرص الناشئة مثل دخول قطاع تحلية المياه.
- تحليل البيانات بدلاً من التخمين لاتخاذ القرارات، فقد استثمرت في برامج ولاء العملاء بناءً على بيانات الشراء مما زاد المبيعات.
- خصصت نسبة من أرباحها للبحث والتطوير والتدريب لمواكبة اتجاهات السوق.
وأخيراً.. في سوقٍ يتغير بسرعة، لم يعد النجاح ضربة حظ، بل نتيجة تخطيط ذكي وتنفيذ مرن، والدرس الأهم هو: أن أغلى استثمار ستبذله ليس في المنتج أو التسويق، بل في التخطيط الاستراتيجي الفعّال، فهو البوصلة التي ستوجه كل قراراتك نحو الربحية والنمو.
*************
** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولاً إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة.
نأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد.
** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم
** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا