د. خالد بن علي الخوالدي
في الوقت الذي تُثار علامات استفهام واضحة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس على قرار وزارة العمل لتوظيف شباب الوطن في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، واللغط الكثير حول عدم جدوى مثل هذا القرار وعدم دراسته الدراسة المُستفيضة والواقعية، أجدُني أفكر في كلام أحد القراء ورغبته في كتابة مقال عن "ثقافة الاستهلاك والإسراف في الصرف"، والتي أصبحت سمة بارزة في حياة الكثيرين؛ حيث تزداد الدعوات إلى التفاخر بالمظاهر والإنفاق غير المدروس، مما يؤدي إلى تفشي ظاهرة الديون والضغوط المالية.
وهذا لا يعني بأيِّ حال من الأحوال أنَّ الموضوع الثاني أهم ولكن موضوع قرار وزارة العمل كثر فيه الحديث ومتكرر، لذا رأيت بأن موضوع المظاهر الخداعة وضرورة الادخار مهم تحت تأثير مقولة (ضم قرشك الأبيض ليومك الأسود) هنا تبرز أهمية الادخار كخيار حكيم يُسهم في بناء مستقبل مالي مستقر، فمفهوم الادخار يعد في الوقت الحالي من المفاهيم الأساسية التي يجب أن يتبناها الأفراد كجزء من ثقافتهم المالية، والعبرة بالأمر ليس الاحتفاظ بالمال، أكثر مما هو أداة لتحقيق الأمان المالي؛ حيث من المتوقع أن نواجه الكثير من الأزمات المالية سواء شخصية أو محلية أو دولية، سواء كانت ناتجة عن فقدان الوظيفة، أو نفقات غير متوقعة، أو حتى حالات الطوارئ الصحية أو الحروب التي لا ذنب لنا فيها أو حتى الحالات المدارية الاستثنائية التي تحدث بين فترة وأخرى معنا، ومن خلال تحديد جزء من الدخل الشهري للادخار، يمكن للفرد أن يُؤمن مستقبله ويضمن استقرار أسرته.
وتعد ظاهرة الإسراف في الصرف من القضايا التي تواجه المجتمع العصري، إذ يسعى الكثيرون إلى التفاخر بالمظاهر، مما يجعلهم ينفقون مبالغ طائلة على أشياء ليست ضرورية، فمشهد المقاهي والمطاعم الراقية، والطلبات المتكررة من خدمات التوصيل، أصبح مألوفاً في حياة الكثيرين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه النفقات تعكس قيمة حقيقية، أم أنها مجرد سعي وراء المظاهر؟
الإسراف في الصرف يخلق حلقة مفرغة من الديون والضغوط المالية، فالكثيرون ينفقون ما يفوق قدرتهم المالية، مما يؤدي إلى تراكم الديون، وعندما يواجه الفرد حالة عجز مالي، يصبح من الصعب عليه العودة إلى المسار الصحيح، لذا يجب أن نتبنى مفهوم الاعتدال في الصرف، ويجب أن يكون لدينا وعي مالي يحثنا على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن نفقاتنا، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التخطيط المالي وإعداد ميزانية شهرية، فعندما نضع خطة مالية واضحة، يمكننا تحديد أولوياتنا ونفقاتنا الضرورية، مما يساعدنا على إدراك ما هو مهم وما هو غير ضروري.
الإدراك بأن بعض النفقات ليست لها قيمة حقيقية يمكن أن يكون له تأثير كبير على سلوكنا المالي، على سبيل المثال يمكن أن نقرر تقليل الزيارات للمقاهي أو المطاعم الفاخرة، ونستبدلها بنشاطات أقل تكلفة مثل التجمعات العائلية في المنزل، هذا لا يعني أننا يجب أن نتجنب الترفيه تمامًا؛ بل يجب أن نتعلم كيفية الاستمتاع بوقتنا دون الإسراف.
من المهم أن نبدأ نشر ثقافة الادخار بين الأجيال الجديدة، ويجب أن يتعلم الأطفال والشباب أهمية المال وكيفية إدارته منذ سن مبكرة، ويمكن القيام بذلك من خلال تعليمهم كيفية إعداد ميزانية بسيطة، وتحفيزهم على الادخار من مصروفهم الشخصي، فكلما زاد الوعي المالي لدى الشباب، زادت فرصهم في تحقيق مستقبل مالي مُستقر.
إنَّ أهمية الادخار وتجنب الإسراف لا تنحصر فقط في بناء مستقبل مالي آمن؛ بل تمتد لتشمل تعزيز جودة الحياة بشكل عام، من خلال تبني سلوكيات مالية صحيحة، ويمكن للفرد أن يُحقق التوازن بين الاستمتاع بالحياة والاحتفاظ بأمان مالي، لذا دعونا نبدأ في تغيير عاداتنا المالية، ونبني مجتمعا واعيًا يدرك قيمة الادخار وأهمية الاعتدال في الصرف.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.