التوظيف.. مسؤولية وزارة العمل أم عبء على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟

 

 

 

عباس المسكري

 

أثارت تصريحات حديثة صادرة عن وزارة العمل، أو عبر أحد مستشاريها، دهشة واسعة في الأوساط المجتمعية، لما تضمنته من مطالب تبدو غير متناغمة مع الواقع واحتياجات السوق العُماني، من الدعوة إلى البحث عن عمل خارج الوطن إلى فرض التزامات توظيف على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ بما فيها تلك التي لم تتجاوز عامها الأول، وجاءت هذه المُقترحات بعيدة عن تطلعات المواطن العُماني لتحقيق الاستقرار الوظيفي، فقد طرحت هذه التصريحات تساؤلات جدية حول مدى ملاءمتها لمتطلبات السوق المحلي وتطلعات المُواطنين.

تتحمل وزارة العمل مسؤولية تنظيم سوق العمل من خلال صياغة سياسات متوازنة تلبي احتياجات العرض والطلب، ودورها لا يقتصر على إصدار التعليمات؛ بل يمتد إلى تهيئة بيئة عمل داعمة ومستدامة تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، وخاصةً مع تزايد أعداد الخريجين والباحثين عن فرص عمل، والمسرحين من عملهم؛ حيث يقع على عاتق الوزارة واجب توفير فرص وظيفية ملائمة، دون إثقال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمسؤوليات قد تعيق نموها في مراحلها المبكرة، فهذه المؤسسات، التي تشكل ركيزة حيوية للاقتصاد، بحاجة إلى دعم وتوجيه لتحقيق الاستدامة، بدلًا من تحميلها أعباء إضافية قد تُؤثر على تطورها.

كما تقع على وزارة العمل مسؤولية قيادة جهود وطنية متكاملة لتطوير سوق العمل، من خلال تعزيز التنسيق بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص وظيفية تتناسب مع مؤهلات المواطنين، في حين فرض متطلبات توظيف على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي غالبًا ما تكون في طور التأسيس، قد يشكل تحديًا يفوق قدراتها.

الوزارة مُطالَبة بتبنِّي نهج يركز على تمكين هذه المؤسسات، وتنظيم العلاقة بينها وبين الباحثين عن عمل بما يحقق التوازن ويدعم استقرار السوق، وهذا الدور يتطلب رؤية شاملة تضمن أن تؤدي جميع الأطراف مهامها بفعالية لتعزيز بيئة عمل متكاملة.

وفي سياق الحديث عن العمل في دول الجوار، تُطرح تساؤلات حول مدى جدوى هذا الخيار، فهل أُجريت دراسات معمقة لتقييم الفرص المتاحة في تلك الدول؟ وهل أُخذت في الحسبان تكاليف المعيشة مقارنة بالرواتب المعروضة؟ حيث دفع المواطن للبحث عن عمل خارج الوطن يتطلب تقييمًا دقيقًا للتحديات المالية والاجتماعية التي قد يواجهها، لضمان أن تكون هذه الفرص مجدية وتغطي متطلبات الحياة الأساسية، لذا على الوزارة تقديم توجيهات مدروسة، مستندة إلى تحليل واقعي للأسواق الخارجية، لدعم قرارات الباحثين عن عمل.

إنَّ معالجة تحديات التوظيف تتطلب حلولًا مدروسة ومستدامة، بعيدة عن التصريحات المتسرعة أو القرارات غير المرتبطة بالواقع، وعلى وزارة العمل أن تعمل على تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل محلية، وإذا كان العمل في الخارج خيارًا مطروحًا؛ فيجب دعمه بدراسات جدوى تضمن كرامة المواطن واستقراره، وفي النهاية، تبقى السياسات الواضحة والداعمة لتطلعات المواطن العُماني داخل وطنه السبيل الأمثل لبناء بيئة عمل مزدهرة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة