بين ضفتي الاعتدال والسيادة

الجزائر وعُمان تعيدان رسم خريطة التعاون العربي

 

نسيبة شيتور **

احتفلت الجزائر باستقبال ضيف استثنائي هو جلالة السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، في أول زيارة دولة له إلى الجزائر منذ اعتلائه عرش سلطنة عُمان مطلع عام 2020، في محطة يُنتظر أن تُعيد ضبط بوصلة العلاقات الثنائية بين البلدين، سياسيًا واقتصاديًا، وتدفع بها نحو آفاق أرحب في ظل متغيرات إقليمية ودولية بالغة التعقيد.

الزيارة تأتي بعد ستة أشهر فقط من الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى سلطنة عُمان في أكتوبر 2024، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس جزائري منذ أكثر من ثلاثة عقود. لم تكن زيارة بروتوكولية عابرة؛ بل أسَّست لمرحلة جديدة من التعاون؛ حيث تُوّجت بتوقيع 8 اتفاقيات تعاون، وتدشين مبادرة طموحة لإنشاء صندوق استثماري مشترك، يُراهَن عليه لإطلاق مشاريع واعدة في مجالات الطاقة المتجددة، والزراعة الصحراوية، والبتروكيماويات، والتكنولوجيا.

الزيارة فتحت أبوابًا سياسية ودبلوماسية مع شريك عربي يوصف بـ"الهادئ" لكنه "مؤثر" في ملفات المنطقة.

زيارة السلطان هيثم إلى الجزائر تحمل أبعادًا مُتعددة؛ أولها وأبرزها: أنها أول زيارة من نوعها منذ توليه الحكم، وهو ما يُعطيها ثقلًا بروتوكوليًا ورمزيًا خاصًا، كما إنها تأتي في سياق عربي ودولي متوتر.

ووسط هذا المشهد، تلتقي الجزائر ومسقط في موقع مشتركٍ، كلاهما يتبنَّى مواقف معتدلة، وسيادية، ومستقلة عن الاستقطابات الإقليمية والدولية، ويُراهِن على الحوار والوساطات بدلاً من الاصطفاف، وهو ما أبرزه البيان المشترك الذي أعقب زيارة تبون إلى مسقط، والذي نوّه بالدور العُماني المحوري في "خفض التوترات" و"دفع التفاهمات بين الدول"، وهو الخطاب ذاته الذي ترفعه الجزائر في كل المحافل.

ورغم أن الطابع السياسي للزيارة، إلّا أن الشق الاقتصادي حاضرٌ بقوة، من خلال حضور وفد عُماني رفيع يضم كبار المسؤولين في قطاعات: الاستثمار، والزراعة، والصحة والتكنولوجيا.

وهُنا تَبرُز أهمية الصندوق الاستثماري المُشترك، الذي لم يُولَد كفكرة وحسب؛ بل كآليةٍ عمليةٍ يمكن أن تُحوِّل العلاقة من تنسيقٍ سياسيٍ إلى شراكةٍ اقتصاديةٍ استراتيجيةٍ.

في زيارة تبون إلى مسقط، مَنَحَ السلطان هيثم الرئيس الجزائري وسام آل سعيد، وهو أرفع وسام في سلطنة عُمان، لا يُمنح إلّا للملوك والرؤساء، فيما ردَّ الرئيس تبون بمنح السلطان هيثم وسام أثير من مصف الاستحقاق الوطني، وقدم له سيفَ (بني يني) "الفليسة" الجزائري؛ وهو ما يعكس بُعدًا رمزيًا في تبادل الاحترام بين القيادتين.

وفي الزيارة الحالية، من غير المُستبعد أن تشهد الجزائر تكريمًا مُماثلًا يعكس رمزية الاستقبال، ويُعزِّز الشعور المتبادل بالأُخوَّة والاحترام بين البلدين.

ورغم البُعد الجغرافي بين البلدين، إلّا أن تقارُب الرؤية السياسية، وتكامل الإمكانيات الاقتصادية، والموقف المشترك من القضايا العربية والدولية، يجعل من هذه العلاقة نموذجًا نادرًا على الساحة العربية.

ولعلَّ هذه الزيارة تفتحُ الباب لتوسيع هذا النموذج، من خلال التنسيق داخل المحافل الدولية، وتعزيز التوجه نحو عمل عربي مشترك قائم على الاستقلالية، والحوار، والتنمية المُتوازِنة.

** إعلامية جزائرية

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة