مريم الشكيلية
يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز "وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 105)، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" صدق رسول الله.
آيات كثيرة وأحاديث نبوية عديدة، تدُل على العمل وفضل العمل وحسن العمل، لكن اليوم مع الأسف نسمع كثيرًا وبشكل ملحوظ عن أمور كثيرة تحدث في بيئة العمل تلك البيئة التي يعول عليها الوطن والمواطن في بناء وطن متقدم وبناء، ويكون حاضنة أمة مترامية الأطراف لا ينقصها شيء بيئة تخرج الخيرات الكثيرة من باطنها في المجالات المختلفة إلى المواطن الذي ينتظر الخير والتسهيل من تلك البيئة.
إن ما أقصده في هذا المقال، هو بيئة العمل التي فاحت منها روائح الحقد والضغينة والحسد والاتكالية وبخص حق الموظف في بيئته وسرقة جهد المجتهد منهم من قبل من هم أعلى منهم منصب أو حتى بين الموظف والآخر.
هذه الصفات والسلوكيات التي انتشرت في بيئة العمل وبشكل واضح حتى أصبحت لها رائحة كريهة في مجتمع مسلم تربّى على القيم الإسلامية التي تُحرِّم هذه الصفات على المسلم أينما كان، فكيف إذا كانت هذه الصفات اليوم أصبحت تتمدد بلا حدود وبلا قيد بين الموظفين. وهنا أود أن أشير إلى البعض وليس الكل؛ فهناك من هو موظف يعمل بوعي وضمير يراعي حق الله تعالى وحق غيره، لكنني أتحدث هنا عن البعض، والبعض مع الأسف أصبحوا كُثُر للدرجة التي تستغرب فيها تلك القصص وغرابتها وكثرتها التي يتحدث عنها موظفون في بيئتهم.
وما زاد الطين بلة، حين بدأ تطبيق منظومة "إجادة"، والتي أُوجدت لتحفيز العاملين في بيئة عملهم على العمل الجاد والإنتاجية التي تعود نتائجها على الوطن والمواطن على حد سواء. ورغم وضوح فكرتها وهدفها والقيمة التي وُجدت من أجلها، إلّا أنها مع الأسف الشديد لم تستطع بيئات العمل أن تحقق الأهداف المرجوة منها، حتى إن الأكثرية يتمنون ويطالبون بإلغائها، من شدة ما تسببت فيه من ضغائن لدى البعض، حتى أصبح الموظف في بيئة عمله كأنه في حربٍ أو وكر من الدسائس، وفقد العمل قيمته وأهميته!
ما أصعب أن تسمع وترى أن المكان الذي هو في الأساس مكان خدمة وبذل عطاء وحفظ حقوق، أصبح مكانًا يذهب إليه الموظف بشعور من التثاقل والإحباط، فكيف سيؤدي هذا الموظف عمله في بيئة كهذه؟ كيف يتعاظم الانتماء في هذه البيئة التي يُنتظر منها العطاء والبذل في ظل هذه الروح الممزقة؟
إن ما تخلفه هذه البيئة على الموظف أولًا قبل كل شيء هي أنها تُفقده روح العمل المُخلِص، وتترك في نفسه تراكمات من الصفات المذمومة. ثم التأثير السلبي على المواطن متلقي الخدمة، بحيث لا يجد تلك التسهيلات في إنجاز معاملاته، وتوضع العوائق في طريقه؛ لأن العاملين منشغلين في حروبهم فيما بينهم وتفاصيل خلافاتهم. ثم كيف يمكن أن نتقدم إذا كانت بيئة العمل لا إخلاص فيها إلّا ما ندر؟!
أتمنى في نهاية هذا السطور أن يعي الجميع المسؤولية التي كُلِّف بها، وأن تسود في بيئة الأعمال روح العمل الجماعي والهدف الأسمى ومراعاة حقوق الآخرين.