د. خالد بن علي الخوالدي
نعيش ازدواجية حقيقية بين ما يظهره الفرد وما يشعر به في أعماقه، لقد أصبح التظاهر والانخراط في لعبة الأقنعة جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فكل واحد منا يحمل في جعبته وجهين، وجه يظهره للناس ووجه آخر يحتفظ به لنفسه، فكم من شخص نراه مبتسما في العلن بينما يعاني في صمت خلف الأبواب المغلقة.
يقول المثل العربي: "الناس معادن"، وهذا يعني أن الشخصيات تختلف بين الأفراد، وقد يتخذ البعض من التظاهر وسيلة للتكيف مع المجتمع. فبينما يسعى البعض للظهور في صورة الرفاهية والسعادة، يعيش آخرون في خفاء الألم والمعاناة. إن هذا التباين يثير في النفس تساؤلات عميقة حول حقيقة هذه الوجوه.
في الكثير من الأحيان، نرى أشخاصًا يعيشون حياة مُرفَّهة، يتباهون بنجاحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، لكن خلف تلك الابتسامات واللحظات السعيدة قد تكمن مشاعر الوحدة والإحباط، فالكثير من الناس يشعرون بالضغط لتقديم صورة مثالية عن أنفسهم؛ مما يؤدي إلى خلق فجوة بين ما هم عليه وما يرغبون في أن يكونوا عليه. وهذا التظاهر ليس مجرد وسيلة للقبول الاجتماعي، بل هو كذلك آلية دفاعية تقيهم من مواجهة الواقع المرير.
من جهة أخرى، نجد أشخاصًا يعيشون في ظروف صعبة، لكنهم يختارون أن يظهروا بمظهر القوي. هؤلاء الأفراد يتخذون من المعاناة دافعا للتقدم، ويعتبرون الألم جزءًا من رحلتهم نحو النجاح؛ إذ إنهم يرفضون الاستسلام للظروف ويعملون جاهدين على تحسين حياتهم، لكنهم في نفس الوقت قد يشعرون بالعزلة بسبب عدم فهم الآخرين لما يمرون به.
ويتجلى هذا التباين في الكثير من مجالات الحياة، ففي العلاقات الاجتماعية مثلا يمكن أن يظهر الأصدقاء مودة ومحبة بينما قد يخفون مشاعر الغيرة أو الاستياء، إن هذه الظواهر تشير إلى أن العلاقات الإنسانية ليست دائما كما تبدو، وأن الظاهر قد يكون خادعا.
وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون هذا التظاهر ضارًا؛ فالأشخاص الذين يعيشون حياة مزدوجة قد يجدون أنفسهم في صراع داخلي؛ مما يؤثر على صحتهم النفسية والجسدية، وأتذكر بأنه مرت علي مقولة للفيلسوف اليوناني أرسطو تقول: "الحياة الجيدة هي حياة تتسم بالصدق"، وهذا يعكس أهمية العيش بصدق مع الذات، فالتظاهر يمكن أن يكون عبئا ثقيلا، ويؤدي في النهاية إلى الانهيار النفسي.
لكن في الوقت نفسه، يمكن أن يكون التظاهر وسيلة لتجاوز الأوقات الصعبة. فبعض الأشخاص يجدون في الابتسامة والقوة الخارجية وسيلة للشفاء من جراحهم، إنهم يستخدمون هذه الوجوه كدرع ضد الصعوبات، مما يمكنهم من المضي قدما، في هذه الحالة يصبح التظاهر أداة للتحفيز والإلهام.
في النهاية، يجب أن ندرك أن الحياة ليست مجرد صورة نعرضها للناس؛ بل هي رحلة مليئة بالتحديات والانتصارات. إن فهم الحقيقة وراء الوجوه المختلفة التي نقدمها للناس يساعدنا على بناء علاقات أعمق وأكثر صدقًا؛ فالحقيقة ليست دائما واضحة، وقد تحتاج إلى بحث وتفحص لفهمها. ولذلك من المهم أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، لنتمكن من خلق بيئة من الثقة والتفاهم.
إنَّ الوعي بوجود هذين الوجهين للحقيقة يمكن أن يساعدنا على التعامل مع الآخرين بفهم وتعاطف أكبر. فعندما ندرك أن كل شخص يحمل قصته الخاصة، سنكون أكثر قدرة على تقديم الدعم والمساعدة، وعلينا أن ندرك بأن الوعي والصدق هما الطريق نحو حياة أكثر توازنًا وسعادة؛ حيث يمكن للجميع أن يعيشوا بصدق دون الحاجة إلى ارتداء الأقنعة.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.