قضية عداد

 

 

 

ناصر بن سلطان العموري

 

العديد من الكتابات تحدثت عن الارتفاع الفلكي لفواتير الماء والكهرباء وعدم رضا العميل حول الخدمات المقدمة من جانب الشركات المقدمة للخدمة.

وقد تعددت مسميات واختصاصات الشركات المُقدِّمة للخدمة بقطاعي المياه والكهرباء، لمن تتبَع ولمن تؤول، لدرجة أن المستفيد بات في حيرة، فتارة تستقل بذاتها، وتارة تُجمع ضمن عدة شركات. واختلفت المسميات من وزارة إلى هيئة إلى شركات حكومية، وبقيت الخدمات التي تقدم عليها علامة استفهام كبيرة ورضا المواطن محل شك. لن نتطرق عبر هذا المقال لما يُشاع ويدور حول أن خدمات المياه والكهرباء يجب أن تقدم شبه مجانية أو بأسعار مخفضة كوننا في دولة خليجية حباها الله بشريان الذهب الأسود، وذلك على غرار بعض الدول. ولا نريد أن نستمع للأصوات المتشائمة التي تقول إن المواطن ضحية فواتير جُزافية تقديرية تستنزف راتبه لا تبقي له من باقية، خصوصًا بعد تقليل الدعم عن فواتير المياه والكهرباء ووصولها الى أسعار فلكية، حتى بتنا نسمع قصصًا مأساوية عن قطع الخدمات دون معرفة أوضاع الأسرة، إن كان عائلهم مُسرَّحًا أو متقاعدًا أو متوفى ولا أحد يعينهم سوى الله.

في هذه السطور، أسرد قصة حدثت لي شخصيًا وأكاد أُجزم بصحة مقولة "ياما في السجن مظاليم" وأن هناك العديد من المواطنين مرَّوا بنفس هذه القصة باختلاف أحداثها بشكل أو آخر.

كنت قد طرحت مقالًا سابقًا بعنوان "رسالة تسريب" في أواخر يوليو 2024، مختصر المقال لمن لم يطلع عليه أنه تناول الرسالة النصية التي تصل لعدد من المستفيدين من خدمة المياه من قبل شركة نماء مفادها احتمالية وجود تسريب في المنزل مُرفق معها رابط لعدة شركات مُنتقاة من جانب الشركة، متخصصة في فحص التسريب وفق رسوم يدفعها المشترك بالطبع. البعض استجاب للرسالة ودفع للشركة، ولم يتغير لديه الوضع؛ بل واصلت فواتيرهم الارتفاع الفلكي وصارت الرسالة تأتيهم مرة أخرى؛ وكأنها مبرمجة إلكترونيًا، والبعض ممن تجاهل الرسالة عمدوا إلى حل يدوي في فتح العداد حتى امتلاء الخزان، ومن ثم يغلقه يومًا أو يومين على حسب استهلاكه، وقبل أن تنتهي المياه لديه في الخزان يُعيد فتحه وهكذا دواليك.

هذا وسط غياب لدور الشركة المقدمة لخدمة المياه، رغم أنها هي التي تبعث رسائل التسريب وتمنح الترخيص للشركات، إلّا أنها بعيدة عن المشهد؛ فلا رقابة على الشركات ولا متابعة للمشتركين. وكنت من الفئة التي لم تستجب لتلكم الرسالة كوني قمت بفحص أنابيب المنزل مسبقًا ولم أجد التسريب الذي يتحدثون عنه. بعدها بفترة علمتُ أنه تم تغيير عداد المياه لدي؛ لأنهم اكتشفوا أنه يُعطي قراءات غير دقيقة، بعدما دفعت مبالغ كبيرة جراء الفواتير من باب (مكره أخاك لا بطل)، وكان من المفترض إشعار العميل بهذا التغيير؟! لكن هذا نموذج لتعامل الشركات الخدمية مع العميل.. لا تعليق!

بعدها طالبتُ الشركة بتسوية المبلغ كوني دفعت مبالغ كبيرة مسبقًا لفواتير قراءتها كانت تقديرية، وطلبوا منى تقديم الطلب عبر الموقع الالكتروني لشركة نماء، وفي هذه الأثناء جاءني إنذار بالقطع النهائي عن الخدمة؛ كون أن عليَّ مستحقات كبيرة، وهذا طبعا نتيجة القراءات التقديرية للعداد الذي تم استبداله. وتفاجأت واندهشت، فهم يعلمون تمام العلم أن السبب هو تغيير العداد، وأني تقدمت بطلب لتسوية المبلغ فكيف جاء الإنذار النهائي؟! وجاء الرد غريبًا عجيبًا من شركة نماء بأن الإنذار جاء من شركة التوزيع ولا دخل لنا بها أو بأعمالها؟ وعجبي!! ألا يوجد تواصل وربط موحد بين الشركتين وهم تحت مظلة شركة واحدة؟

الاغرب ليس ما ذكرته؛ بل ما سوف آتي عليه لاحقًا، حين جاء الرد على الطلب الذي قدمته بالرفض، بحجة أن القراءات التقديرية (وهم يعترفون بأنها تقديرية) جاءت مُتقاربة للقراءات التي أُخِذَت للعداد الجديد من القراءات الواقعية، فكيف بالله عليكم تكون متقاربة، فتلك تقديرية لم تُبنَ على واقع مشاهد وملموس وأُخذت عن بعد، أما القراءات الواقعية فهي مبنية على واقع حقيقي.

بعدها لم أجد بُدًا من اللجوء إلى هيئة تنظيم الخدمات العامة، المُشرِفة على الشركات المقدمة لخدمات الكهرباء والمياه، لعلي أجد لديها الانصاف. وحينما قدمت شكوى لهم مفادها عدم اقتناعي برد شركة نماء حول المبالغ المستحقة بعد تغيير العداد واعترافهم بأن العداد السابق كان مصابًا بعطل، فأين العدالة هنا؟!

ومنذ تاريخ 30 ديسمبر 2024، وأنا انتظر رد هيئة تنظيم الخدمات العامة، مُترقبًا أن يكون ردًا عادلًا وأن يكون تعامل الهيئة في الموضوع حياديًا ومنطقيًا، بناءً على الحرص على حماية مصالح المشتركين.

ما أود قوله عبر هذا المقال، إن الشركات المقدمة للخدمات الأساسية (المياه والكهرباء) للمواطن صحيحٌ أنها شركات ربحية في المقام الأول، لكن يجب عليها عدم إغفال أنها تتعامل من أبناء الوطن، وأن يكون هناك نوع من المرونة عند التعامل ومراعاة للظروف والتقدير لأوضاع المشتركين، لا استغلالًا لها والتضييق عليهم، على قاعدة إما الدفع أو القطع!

ورسالتي هنا إلى الشركات المُقدِّمة لخدمات المياه والكهرباء، أن يُدركوا أن نجاح الشركات يكمن في رضا العميل، ولدي قناعة شبه تامة أنه إذا ما أجرت هذه الشركات استطلاعًا لقياس رضا العملاء، لاكتشفت الواقع المؤسف والصادم، وأن نسبة الرضا متدنية جدًا.

نصيحة أخيرة لهذه الشركات.. أحسنوا تعاملكم، وسهلوا خدماتكم، وراعوا عمليكم، واكسبو رضاه، عوضًا عن سخطه، فهذه هي معادلة النجاح باختصارٍ.

الأكثر قراءة