غزة تنتصر على الإبادة والتهجير

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لم تكتفِ غزة العزة بإفشال مخطط العدو للإبادة والتهجير؛ بل علَّمت العدو والعالم كيف تنتصر الإرادة على الطغيان والجبروت، وكيف تنتصر قوة العقل على قوة السلاح، وكيف ينتصر الإيمان على الكُفر والبغي والعدوان.

فصائل المقاومة بغزة العزة لم تكن تدافع عن كرامة وحق الفلسطيني؛ بل كانت تدافع عن كرامة الأمة العربية والفطرة الإنسانية السويَّة. غزة انتصرت، لأنها أفشلت مخطط العدو المتمثل في الإبادة والتهجير؛ فهذا المخطط كان يعني للعدو بسط قدميه وإعلان سيادته الإقليمية المُطلقة، وقيادته القسرية للأمة العربية وتقرير مستقبلها ومصيرها.

غزة انتصرت لأنها شغلت الإقليم والوطن العربي والعالم بقضية فلسطين مُجددًا، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من مُخطط نسيان عنوانه "المبادرة العربية" و"حل الدولتين"، الذي يعني دولة احتلال صهيوني وصيَّة على شبه دولة تُسمى دولة فلسطين، دولة منزوعة السلاح والسيادة والكرامة.

غزة انتصرت لأنها أعادت خيار البندقية إلى جوار غصن الزيتون مُجددًا، وجعلت مفهوم حل الدولتين يعني تحرير جُغرافية مُهمة من فلسطين المحتلة، وتوسعة رقعة المقاومة ومنتسبيها مستقبلًا تمهيدًا للتحرير الشامل والكامل.

غزة انتصرت لأنها برهنت على أن فلسطين لم تدن للمحتل، وما زالت مُقاوِمة وعصيَّة على الاحتلال، وأن التطبيع مع العدو هو إقرار له بالاحتلال الناعم والاختراق العنيف والاستباحة لكل مُطبِّع.

غزة انتصرت لأنها برهنت للأمة أن فلسطين هي الخندق الأول للصراع مع العدو، وأن تحرير فلسطين يعني تحرير الأمة العربية من أغلال وثقافة "وعد بلفور" و"سايكس- بيكو".

غزة انتصرت لأنها أجبرت العالم على الخروج للشارع ومؤازرتها ونصرتها، وكشفت للعالم زيف السرديات التي تَستَّر بها وخلفها العدو لأكثر من سبعة عقود لتمرير مشروعيته التاريخية المزعومة بأرض فلسطين.

غزة انتصرت لأنها أعطت الحق والمشروعية لأحرار العالم لمُقاضاة الكيان الصهيوني وقادته، واعتبارهم بُغاة ومحتلين ومُجرمي حرب ولأول مرة، بعد أن كانوا يُسوِّقون أنفسهم "ضحايا" تاريخيين، وحِملان وديعة وسط بحر من الكراهية والعداء العربي!

غزة انتصرت لأنها أحْيَت فضيلة النضال وفريضة الجهاد الحقيقي، بعد عقود من تزييف الوعي وتغييب العقل العربي وحشوه بشعارات وتبريرات مُستعارَة ومُزيَّفة.

غزة انتصرت لأنها أسقطت السرديات التي تستر خلفها العدو ورعاته وسكبها في العقل العربي المعاصر لتبرير الاحتلال وتمرير التطبيع كقضاءٍ وقدرٍ.

غزة انتصرت لأنها برهنت للعقل العربي المُحاصَر أن الصراع مع العدو صراع وجود لا صراع حدود، وأن الصراع صراع إرادات لا صراع دبابات، وأن الانتصار بفلسطين يعني استقلال حقيقي وغير منقوص لكافة الأقطار العربية.

غزة انتصرت لأنها برهنت مصداقية التاريخ بأن المَدَنِيَّة لا تَهزِم حضارةً، مهما بلغت المَدَنِيَّة من قوة مادية؛ لأن الحضارة أعمق، ويتسلح أبناؤها بالصبر العظيم دائمًا.

غزة انتصرت لأنها بيَّنت للأُمَّة العربية والعالم أن الكيان الصهيوني ليس كيان سياسي يكتفي وينحسر خَطَرُهُ وتتوقف شروره بالتطبيع؛ بل إنه مشروع استثماري غربي احتلالي لإذلال الأمة العربية وطمس هويتها والتجاسر على ثوابتها، لمنعها من التطور والتنمية والوحدة واكتساب أسباب القوة والمكانة اللائقة بين الأمم.

قبل اللقاء.. عندما يُصبح في كل بيتٍ فلسطينيٍّ شهيدٌ، وحين يتنافس كل بيت فلسطيني على تقديم شهيد أو أسير أو مُبعَد، كوسامِ فخرٍ له، حينها فقط يعلم العالم بوجودِ حقٍ عربيٍّ تاريخيٍّ اسمه فلسطين، وشعب فلسطيني يُناضل بجبروت في سبيل هذا الحق حتى مطلع الفجر.

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة