2025.. عام الباحثين عن عمل

 

د. عبدالله باحجاج

هناك عدة أسباب موضوعية تغلب عليها الصفة الوطنية، تجعلنا نُطلق على العام 2025 "عام الباحثين عن عمل"، ولن يختلف معنا أحدٌ بشأنها، ويستوجب أن نُركِّز عليها، ونُعلي من شأنها، بعد تلاقي مجموعة إرادات سياسية ومالية قبل ومع بداية العام 2025؛ فلم يبق إلّا التطبيق، والذي ينبغي أن يكون الشُغل الشاغل لكل السُلط التنفيذية والرقابية الحكومية والمستقلة؛ لأنَّ الحديث هنا عن ملف وطني حسَّاس جدًا في حقبة داخلية وخارجية غير مسبوقة تمامًا؛ مما يُحتِّم إدارة هذا الملف بصورة غير اعتيادية، في ضوء مُحدِّدات سياسية ومالية داخلية، ستُشكِّل مُنطلقنا المشروع في كتابة هذا المقال.

قضية الباحثين عن عمل لم تعُد شأن الباحثين حصريًا، وإنما مع أسرهم، وقد وجدنا في بعض الأسر "الثلاثية" التالية: "مُتقاعِد ومُسرَّح وباحث عن عمل"، ونجد هناك من الباحثين من بلغوا سن الأربعين، وربما أكبر، وهذا كله قد أصبح معلومًا.

ونبني رهاناتنا على هذا العام الجديد وفق المُعطيات التالية:

1- توجيهات سامية صريحة وقوية من عاهل البلاد- حفظه الله ورعاه- في أكتوبر الماضي لوزارة العمل باتخاذ الإجراءات اللازمة العاجلة لوضع حدٍ لتجاوزات الشركات الخاصة والحكومية في تطبيق سياسات تشغيل وإحلال المُواطنين العُمانيين.

2- تشكيل مجلس الشورى لجنةً لدراسة ملف الباحثين عن عمل، وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرًا يتسم بالشفافية، أوضحت من خلاله حجم وطبيعة التجاوزات والاختلالات وأوجه القصور في تطبيق السياسات والبرامج من قبل الشركات، وضربت أمثلة استدلالية واضحة للتجاوزات والاختلالات، توضِّح بجلاء أن المشكلة ليست في ندرة فرص عمل، وإنما في تطبيق سياسات الإحلال والتعمين والتوظيف، ودور الشركات في هذه المشكلة، ودعت إلى تحفيز ريادة الأعمال وتطبيق "منفعة الباحثين عن عمل" ضمن منظومة الحماية الاجتماعية.

3- يوم الأربعاء الماضي صبيحة العام الجديد، شدد عاهل البلاد المُفدّى- حفظه الله- أثناء ترؤس جلالته أول اجتماع لمجلس الوزراء في العام الجديد، على تكامل جهود الجهات المعنية لوضع خطط وآليات للإحلال والتوطين بهدف تسريع تشغيل القوى الوطنية خاصة الباحثين عن عمل.

4- في اليوم الثاني من العام الجديد تمَّ الكشف عن تفاصيل "ميزانية 2025"، والتي تضمنت تخصيص 73 مليون ريال لدعم برامج التدريب والتشغيل، وكُنَّا نتمنى أن يتم تحديد عدد فرص العمل الناجمة عن هذا المبلغ، فيما كشف معالي وزير المالية عن 4 آلاف فرصة عمل للمواطنين في قطاع التربية والتعليم خلال العام الجديد.

المعطيات التي أوردناها سابقًا بتواليها تكفي لتوصيف العام 2025 بعام الباحثين عن عمل، فتوجيهات عاهل البلاد من حيث العامل الزمني ومفردات توجيهاته مثل "اتخاذ الإجراءات اللازمة"، وتحديد جهات التقصير في التوظيف "الشركات الحكومية والخاصة"، وإلقاء تبعات التنفيذ على وزارة العمل، تدخل من ضمن سياقات الزمن العاجل لملف الباحثين عن عمل في عام 2025. ومن هنا ينبغي إطلاق التفاؤل، ولا يُكدِّره سوى تاريخنا مع التطبيق، رغم أنَّ المرحلة الراهنة تلتقي فيها كل عوامل نجاح استحقاق فرص العمل في ضوء المُعطيات سالفة الذكر.

ولضمانة التطبيق الملموس نتائجه، اقترحتُ في مقالات سابقة استحداث منصب "وزير للدولة لملف الباحثين عن عمل" وتولِّي اللامركزية (نظام المحافظات) مسؤولية تنفيذ السياسية الوطنية للتوظيف والتعمين والإحلال والتدريب، كلُ في مجال حيِّزه الجغرافي، خاصةً وأن مقترحنا يتماهى مع التوجه الوطني في نظامي المركزية واللامركزية. ففي كل مكتب للمحافظين دائرة مختصة بتطبيق سياسات العمل من تدريب وإحلال وتعمين، وهناك اتفاقيات مُوقَّعة ولم نرَ نتائجها حتى الآن، وهنا تبرز إشكالية أخرى تُعزز مقترحنا سالف الذكر. والإشكاليات التطبيقية كثيرة منها كذلك، قضية ارتفاع إيجار المحال التجارية في المواسم السياحية، مثل فصل الشتاء الحالي في صلالة، وبالذات في فعالية الموقع السياحي على شاطئ الحافة، فقد رصدنا مؤخرا مجموعة شباب خريجي جامعات وكليات باحثين عن عمل، يستأجرونها بمبالغ كبيرة، مثل محل صغير جدًا بقيمة إيجارية 1200 ريال طوال الموسم الذي يمتد إلى 40 يومًا تقريبًا.

هنا قصور في تطبيق رؤية "عُمان 2040"، خاصة في صناعة قطاع الأعمال الحرة، لأن كل التركيز على العوائد المالية وليس تطبيق السياسات وتثبيت المسارات الجديدة، فلو كانت هناك جهة مُتخصِّصة ومُتفرِّغة ومُستقلة لرأت أنه من دواعي ترسيخ ثقافة العمل الحُر وصناعة جيل جديد من الشباب فيه، أن يكون الإيجار مُشجِّعًا لتثبيت مسارهم وليس طاردًا لهم، فكم من شاب ترك العمل الحر بسبب مثل هذه العراقيل، لن نُنكر وجود مبادرات فردية ومُنعزلة، مثل مبادرة رئيس بلدية ظفار في "خريف 2024" الماضي عندما فتح الانشغالات التجارية في سوق اللبان (عودة الماضي سابقًا) بالمجان للشباب، لكن، حديثنا هنا عن سياسة تنفيذية عامة تستوعب توجه الشباب نحو الأعمال الحرة وتحرص على نجاحهم؛ كون هذا المسار من التحوُّلات الكبرى لنهضتنا المُتجدِّدة، فكيف نعمل على نجاحها إذا ما تم تغليب البعد المالي وجنوحه على حساب هذه التحولات؟

ومن أهم شروط نجاح التطبيق أن تكون قوته متماهية مع قوة دوافعها السياسية والمالية- سالفة الذكر- وبطريقة وطنية جاذبة تخفف حدة الاستياء الاجتماعي، وتُطلق التفاؤل عند الباحثين عن عمل بصورة عاجلة خلال شهر يناير الجاري. والزمن يكون في حالات كثيرة هو الحدث، خاصة في قضية مثل الباحثين عن عمل، وهنا يتعين على وزارة العمل أن تكشف عن خطواتها التنفيذية ونتائجها أولًا بأول؛ فالشفافية غاية في حد ذاتها؛ وذلك تماهيًا مع شفافية التوجيهات السامية وصراحتها. كما إنَّ الشفافية مطلوبة لدواعي رفع منسوب التفاؤل، الذي ينبغي أن يكون من أكبر المستهدفات الوطنية؛ ففي كل يوم يترقَّب الباحثون والمُسرَّحون ومعهم أسرهم، فرص العمل بسيكولوجيات مُتعبة ومُحبَطة جدًا، والسنون تتسارع بهم إلى مراحل سنية مُتقدِّمة في حقبة زمنية مليئة بالتحديات الجيوسياسية والأفكار الدخيلة وغزو الديموغرافيات الأجنبية، ليس داخليًا فحسب؛ بل وإقليميا أيضًا؛ مما يعني أنَّ جيلًا مُحاطًا بالتحديات من الوزن الثقيل داخليًا، ومن الجهات الأربع الجغرافية.

والتساؤل الوطني الذي ينبغي أن يُطرح الآن: كيف نضمن مناعة شبابنا من أي اختراقات أجنبية؟ ومن هنا نضع التوجيهات السامية بشقها الاستعجالي، كأهم ضمانة كبرى، ومن هنا، نعتبر العام 2025 محور الانطلاقة السياسية لحل قضية الباحثين عن عمل، وما بقي من أعداد منهم تُمنح لهم منفعة الباحثين التي أجازتها منظومة الحماية الاجتماعية والمؤجل تنفيذها، والتأجيل لم يعُد تتحمله تحديات التحولات الداخلية والجيوسياسية، مع تركيز المنفعة على الباحثات عن عمل، اللائي يمثلن 52% بينما يمثل الذكور 48% من مجموع 100 ألف باحث، وفق ما ذكره معالي الدكتور وزير العمل، وإذا ما نفذنا هذا الطرح يكون عدد الباحثين قد تقلص إلى النصف، ومن الممكن تصفيره.

الأكثر قراءة