سالي علي
بدايةً، لا يوجد في نظرية التطور أو افتراضاتها ما ينفي وجودِ الخالق أو المدبِّر، على العكس تمامًا، تعتبر نظرية التطور تفسيرًا علميًا للتنوعِ الهائل في الكائنات الحيَّة بناءً على آلياتٍ طبيعية يُمكن دراستها وفهمها بأسلوبٍ تجريبي خاضع للاختبار والتكرار، وهذا النهج العلمي هو ما دفعَ تشارلز داروين إلى تسمية كتابه الشهير "أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي أو بقاء الأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة".
إن النظرية الحديثة للتطور تختلف بعض الشيء عن النسخة الأصلية التي طرحها داروين؛ حيث تقوم على قوانين علمِ الوراثة (Genetics) وعلم البيئة (Ecology). هدفها الأساسي تفسير الظواهر البيولوجية من منظور علمي وتاريخي، وليسَ في ذلك ما يناقضُ وجودَ الخالق تمامًا كما أنّ فهم الظواهر الطبيعية في علم الفيزياء أو الكيمياء لا يتعارضُ مع الإيمان بالخالق.
داروين نفسهُ أعربَ عن دهشته من رفض البعض لنظريته على أساس ديني، قائلًا في إحدى مذكراته: "يمكننا السماح للأقمار، والكواكب، والنجوم، وحتى النظم الكونية بأنّ تكون محكومة بقوانين، لكننا نصّر أنّ أصغر الحشرات خُلقت بفعل خاص وفوري".
حقيقةً تهدف هذه المقالة إلى استعراض مواقف المؤسسات الدينية والعلماء المؤمنين من نظرية التطور، وإظهار الأدلة التي تؤكّد أنّ النظرية ليست متعلقة بالإلحاد أو الكفر بالخالق، هي ببساطة نظرية علمية تسعى إلى تفسير بعضِ الظواهر الطبيعية.
وغالبًا ما يُهاجم أنصار "الخلق المباشر" نظرية التطور بدعوى تعارضها مع النصوص الدينية المتعلقة بخلقِ آدم وحواء، معتبرين أنّها تهدفُ إلى هدم الأديان أو تقويض مصداقية القصص الدينية.
ولكن نظرية التطور لا تتعلق فقط بنشأة الإنسان؛ بل تسعى لتفسير نشأة جميع الكائنات الحية، الإنسان هنا مجرد نوع واحد ضمن هذا السياق. كما تتعارض النظرية مع التفسيرات الحرفية لقصة آدم وحواء، لكنها لا تتعارض مع التفسيرات الرمزية أو المعنوية للقصة.
والخلقيون أنفسهم غالبًا ما يقبلون التفسيرات الرمزية لخلقِ السماوات والأرض في ستّة أيام، لكنهم يصرّون على حرفية قصة خلق الإنسان، رغمَ أنّ ذلك ليس ضروريًا لمواءمة النصوصِ الدينية مع العلم الحديث.
وثمة شواهد على حيادية النظرية، منها:
- علماء يؤمنون بنظرية التطور؛ فقد أظهرت دراسة أجريت عام 1997 على ألف عالم مدرجين في قائمة "رجال ونساء العلم الأمريكان" أن 40% منهم يؤمنون بحدوث التطور ولكنهم يعتقدون أن الله أرشد هذه العملية. وفي دراسة أجراها معهد Pew Research عام 2009، ظهر أن 8% من علماء رابطة تقدم العلوم الأمريكية (AAAS) يعتقدون أنّ التطور حدث بتوجيه إلهي، بينما 87% يرونه نتيجة لقوانين الطبيعة وحدها، دونَ أن يعني ذلك أنهم ملاحدة بالضرورة.
- العلم والدين متكاملان؛ فالرابطة الأمريكية لتقدّم العلوم نشرت مواد علمية تدعو إلى فهم العلاقة بين الدين ونظرية التطور، موضحة أن النظرية لا تناقض الإيمان، بل تسير في إطار فهم أعمق للخلق.
لذا وختامًا نصل إلى أن نظرية التطور ليست قضية إيمانية بقدر ما هي نظرية علمية تسعى لتفسير التنوع البيولوجي. قبول النظرية لا يعني رفض وجود الخالق؛ بل يمكن أن يُنظر إليها كوسيلة لفهم قوانين الطبيعة التي وضعها الخالق نفسه، ما يدعو للدهشة هو أن الجدل حولها ينشأ غالبًا بسبب سوء الفهم أو التفسيرات الحرفية للنصوص الدينية، وليس بسبب تعارض حقيقي بين العلم والدين.