الفردانية في ميزان الحياة: توازن بين الذات والمجتمع

 

د. خلود بنت أحمد العبيدانية **

إذا كنت تجد نفسك تُفضل البقاء وحيدًا على التفاعل مع الآخرين، وتشعر بعدم الراحة عند المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، وتعتمد بشكل مُفرِط على نفسك دون طلب المساعدة حتى عندما تحتاج إليها، فقد تكون تُعاني من الفردانية المُفرِطة.

قد تجد صعوبةً في التعبير عن مشاعرك أو مشاركة أفكارك مع الآخرين، وتُركز بشكل كبير على تحقيق أهدافك الشخصية دون الاهتمام بمساعدة الآخرين أو المشاركة في الأنشطة الجماعية. وإذا كنت تشعر بالوحدة أو العزلة حتى عندما تكون مُحاطًا بالناس، وتجد صعوبة في بناء علاقات عميقة ومستدامة، فقد تكون هذه علامات على الفردانية المُفرِطة.

لكن.. ماذا تعرف عن الفردانية؟ الفردانية هي فلسفة اجتماعية تؤكد على أهمية حقوق وحريات الفرد، وتعود جذورها إلى عصر النهضة الأوروبية وعصر التنوير. في الإسلام، يتم تحقيق توازن بين حقوق الفرد ومسؤولياته تجاه المجتمع؛ مما يُعزز التلاحم الاجتماعي والعدالة. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الفردانية المُفرِطة إلى العزلة الاجتماعية والهشاشة النفسية؛ حيث يشعر الأفراد بالوحدة والضغط النفسي نتيجة الاعتماد الكبير على الذات ونقص الدعم الاجتماعي. وللتغلب على هذه الآثار السلبية، من المُهم تعزيز الروابط الاجتماعية، وتطوير مهارات التواصل، والمشاركة في الأنشطة الجماعية، وطلب المُساعدة عند الحاجة.

وتحقيق التوازن بين الاستقلالية والتواصل الاجتماعي هو المفتاح لصحة نفسية جيدة. ومع ذلك الفردانية تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات التي تُسهم في تطوير الفرد والمجتمع على حد سواء. ومن أبرز هذه الإيجابيات تعزيز الحرية الشخصية؛ حيث يتمتع الأفراد بالقدرة على اتخاذ قراراتهم الخاصة وتحديد مسار حياتهم دون تدخل غير مبرر. وهذا يعزز من شعورهم بالمسؤولية الشخصية والاستقلالية، مما يدفعهم إلى الابتكار والإبداع في مختلف المجالات. كما إن الفردانية تشجع على التنوع الثقافي والاجتماعي؛ حيث يتيح للأفراد التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية، مما يثري المجتمع بتعدد وجهات النظر. وإضافة إلى ذلك، تُسهم الفردانية في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التأكيد على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية؛ مما يُعزز من احترام كرامة الفرد وقيمته في المجتمع.

ولتحقيق التوازن في الفردانية يتطلب الجمع بين الاستقلالية الشخصية والتواصل الاجتماعي الفعّال. من المهم أن يتمتع الفرد بالحرية في اتخاذ قراراته وتحديد مسار حياته، مع الحفاظ على روابط قوية مع المجتمع. يمكن تحقيق هذا التوازن من خلال تعزيز العلاقات الاجتماعية، والمشاركة في الأنشطة الجماعية، وتطوير مهارات التواصل. إلى جانب أنه يجب على الأفراد أن يكونوا مُستعدين لطلب المساعدة عند الحاجة، وتقديم الدعم للآخرين، مما يعزز من التلاحم الاجتماعي. التوازن بين حقوق الفرد ومسؤولياته تجاه المجتمع يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل؛ مما يؤدي إلى مجتمع متماسك وصحي نفسيًا.

** باحثة تربوية في مجال علم النفس والإرشاد، عضو المجلس الاستشاري الأسري العُماني

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة