اللامركزية وريادة الأعمال: تمكينٌ لتحقيق "عُمان 2040"

 

 

سهام بنت أحمد الحارثية

harthisa@icloud.com

 

 

نظّمت غرفة تجارة وصناعة عُمان، ممثلة بلجنة الاقتصاد وسوق العمل، هذا الأسبوع ندوة مهمة حول اللامركزية ودورها في الاقتصاد وسوق العمل، بمشاركة خبراء من ألمانيا، هدفت الندوة إلى تسليط الضوء على أهمية تطبيق ممارسات لامركزية لدعم التنمية المتوازنة وتعزيز التنافسية الاقتصادية، بما يواكب رؤية "عُمان 2040".

اللامركزية ليست مجرد هيكل إداري؛ بل هي ركيزة أساسية لتحفيز الابتكار ودعم ريادة الأعمال، من خلال نقل الصلاحيات إلى السلطات المحلية، تصبح الجهات الأقرب إلى الواقع قادرة على اتخاذ قرارات تناسب احتياجات المجتمع المحلي. ويؤدي هذا بدوره إلى خلق بيئة مرنة تُعزز الابتكار وتُسهم في تنمية الاقتصاد الوطني بشكل متوازن.

وعلى مستوى دعم التنوع الاقتصادي، تُعد اللامركزية أداة رئيسية لتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" التي تسعى إلى زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. فمن خلال توزيع الصلاحيات والموارد، يمكن لكل محافظة أن تركز على تطوير قطاعاتها الاقتصادية وفقًا لميزاتها النسبية. على سبيل المثال، يمكن لمحافظة ظفار تعزيز ريادة الأعمال في مجال السياحة البيئية والاستفادة من طبيعتها الخلابة وموسم الخريف والصرب والشتاء لجذب السياح، مما يتيح إنشاء مشاريع مثل النزل البيئية والفعاليات الثقافية، في المقابل يمكن أن تُبرز محافظة الداخلية ريادتها في الصناعات الحرفية والتقليدية، مع تطوير منتجات سياحية فريدة تلبي احتياجات السوق المحلية والعالمية.

أما على صعيد تعزيز الابتكار، تُشير الدراسات إلى أن اللامركزية تُحفز الإبداع بنسبة تصل إلى 25% في المناطق التي تتمتع بصلاحيات محلية مقارنةً بالمناطق المركزية، يفتح هذا المجال أمام الشباب ورواد الأعمال في كافة محافظات السلطنة لإنشاء مشاريع تخدم مجتمعاتهم وتُلبي احتياجات أسواقهم المحلية. تجربة شركة ناشئة في محافظة مسقط مثل "O Taxi"، التي أصبحت منصة محلية ناجحة للنقل الذكي، تُبرز كيف يمكن للمبادرات المحلية أن تنمو بسرعة عندما تكون القرارات الإدارية والتشريعية داعمة وموجهة.

رؤية "عُمان 2040" تضع التوازن التنموي بين جميع مناطق السلطنة كأولوية قصوى، ومن خلال اللامركزية، يمكن تحقيق هذا التوازن عبر توزيع الموارد والخدمات بشكل عادل، مما يُسهم في تعزيز التنمية في المناطق النائية، على سبيل المثال، مشروع "المدينة الاقتصادية بالدقم" يعكس كيف يمكن للمناطق النائية أن تتحول إلى مراكز جذب استثماري وريادي من خلال التمكين الإداري والتنظيمي؛ حيث اجتذبت المنطقة استثمارات الاقتصاد الأزرق في قطاعات مثل الصناعة والطاقة واللوجستيات.

التجربة الألمانية في اللامركزية تُعد نموذجًا مُلهمًا يمكن الاستفادة منه في السلطنة فقد ساهمت السياسات اللامركزية في ألمانيا في زيادة عدد المشاريع الريادية بنسبة 15% خلال العقد الأخير، مع توزيع الفرص بشكل عادل بين المدن والمناطق الريفية، على سبيل المثال، منطقة بافاريا في ألمانيا تُعرف بقدرتها على دعم رواد الأعمال من خلال برامج تمويل محلية ومراكز دعم ابتكار، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به في كيفية تعزيز الاقتصاد الإقليمي عبر السياسات المحلية.

وبتطبيق سياسات مشابهة في عُمان، يمكن تعزيز الشراكات بين القطاع الحكومي والخاص على مستوى المحافظات لتطوير بنى تحتية مستدامة، مثل إنشاء مراكز حضانة أعمال ومناطق اقتصادية حرة مخصصة لكل محافظة، تُعزز من قدرة رواد الأعمال على الابتكار والمنافسة.

ومع النماذج الناجحة التي نراها محليًا ودوليًا، يمكن أن تصبح عُمان مركزًا رياديًا عالميًا يعكس طموحاتها الوطنية ويضعها في مصاف الدول الرائدة؛ إذ إن تعزيز تطبيق اللامركزية في عُمان سيسهم بشكل مباشر في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040" من خلال تمكين المحافظات، وتشجيع الابتكار، وتوفير فرص متكافئة للنمو والازدهار الاقتصادي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة