عبد النبي العكري
يتوالى نشر نتائج الانتخابات الأمريكية والتي أجريت يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 لانتخاب الرئيس ونائبه، وانتخاب كامل مجلس النواب وانتخاب 23 لمجلس الشيوخ من أصل 100 عضو، وانتخاب 11 حاكم ولاية من أصل 50.
ومع اكتمال نشر النتائج باستثناء ولايتي نيفادا وأريزونا حيث الجمهوريون متقدمون على الديمقراطيين، فإن النتائح مثيرة بتفوق لاسابق له للجمهوريين على الديمقراطيين، وسيترتب على ذلك نتائج بعيدة المدى على أمريكا والعالم ومنه الوطن العربي.
لقد عرضنا في المقال السابق، نتائج فوز دونالد ترامب الساحق على كمالا هاريس بالرئاسة، وهو ما تأكد لاحقًا وبصورة أكثر إثارة؛ إذ أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية حتى كتابة هذا المقال وبدون نتائج ولايتي نيفادا وأريزونا، أن دونالد ترامب حصل على 295 مقعدًا في المجمع الانتخابي، في حين حصلت كمالا هاريس على 226 مقعدًا فقط بفارق كبير قدره 49 مقعدًا، وهذا نادر الحصول في انتخابات الرئاسة، علمًا بأنَّ الفوز بالرئاسة يتطلب 270 مقعدًا فقط. وفي ظل فوز الجمهوريين بأغلبية مجلسي الشيوخ والنواب، فمن المفهوم ما قاله ترامب ونائبه فانس في احتفال النصر في مقر إقامة ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا، بأنَّ ذلك انتصار لا سابق له في تاريخ أمريكا.
خاطب ترامب الحشد الكبير في احتفال النصر وهو مُحاط بأفراد عائلته وعائلة نائبه فانس وكبار المسؤولين الجمهوريين وقادة حملته الانتخابية بقوله: "لقد صنعنا نصرا سياسيا لا سابق له في تاريخ أمريكا، هذا هو العصر الذهبي لأمريكا، ويمكننا أن نعيد أمريكا لمجدها. أمريكا أعطتنا تفويضا لا سابق له. أشيد بانتصارات مرشحينا لمجلس الشيوخ؛ حيث حققنا انتصارات مذهلة. وبالنسبة لمجلس النواب، فإننا نتجه للنصر. سوف نغلق الحدود". وأشاد بدور نائبه فانس في الحملة الانتخابية واقتحامه لمعاقل الأعداء، ثم دعا فانس إلى إلقاء كلمة قصيرة والذي خاطب الجمهور قائلًا: "لقد خضنا أعظم قتال في تاريخ أمريكا وقد فزنا بهذا القتال".
وواصل ترامب "اليوم استعاد الأمريكيون سيطرتهم على بلادهم. سنرفع إنتاج النفط والغاز وسنخفض الضرائب ونضمن الأمن. ولن تكون هناك حروب"، وأشاد بمختلف مكونات الشعب الأمريكي ومنهم العرب والمسلمون. وقال: "يجب أن نغلق حدودنا ويتوجب ألا يدخل بلادنا أحد إلا بطرق قانونية. لقد أنقذ الله حياتي لأخدم أمريكا، سوف أحكم استنادًا للوفاء بوعودي. لنضع خلافاتنا جانبًا ونتقدم إلى الأمام. أمريكا أولا وأمريكا عظيمة لكل الأمريكيين".
ترامب- بلا شك- مصمم على تحقيق برنامجه، مستندا في ذلك على فوز الجمهوريين الكبير بمجلسي الشيوخ والنواب، فكيف سيحققه؟
سلطات مجلسي الشيوخ والنواب
يملك الرئيس الأمريكي سلطات واسعة ولكن يوازنها السلطة التشريعية المكونة من مجلسي الشيوخ والنواب وهما المختصين بصياغة وإقرار التشريعات والقوانين وقرارات الولايات المتحدة للداخل والخارج ومراقبتها لأعمال الحكومة وحتى إزاحة الرئيس في حال الخيانة العظمى أو إساءة السلطات كما جرى للرئيس نيكسون.
يتكون مجلس الشيوخ من 100 عضو بواقع عضوين لكل ولاية ويرأسه وياللعجب نائب الرئيس الأمريكي وهو المجلس الأعلى. بالنسبة لمجلس الشيوخ فإنه يجري تجديد ربع عضويته كل عامين والعضوية لست سنوات. بالنسبة لهذه الانتخابات فالتنافس يجري على 23 مقعدا وقد فاز الجمهوريون بأغلبيتها، مما مكنهم من تحقيق الأغلبية بواقع 52 مقعدا مقابل 44 مقعدا للديمقراطيين منهم أربعة منتخبين كمستقلين، في مجلس الشيوخ، مع ضمان رئاسته من قبل نائب الرئيس فانس.من هنا فإن الرئيس ترامب وفي ظل سيطرته على الحزب الجمهوري وممثليه في المجلسين، سيجد في مجلس الشيوخ مؤيدا له في سياساته الداخلية والخارجية والتشريعات التي سيُقدمها للمجلس.
وبالنسبة لمجلس النواب فقد جرى انتخاب جميع أعضائه الـ435؛ حيث كان الجمهوريون يملكون أغلبية نسبية لكن هذه الانتخابات عززت من أغلبيتهم بشكل كبير بفوزهم بـ206 مقابل 191 مقعدا للديمقراطيين حسب النتائج المعلنة حتى اليوم وبانتظار نتائج 5 ولايات والمتوقع أن تعزز أغلبية الجمهوريين الذين يحتاجون إلى 218 مقعدا لأغلبية المجلس. ومن المؤكد أن يحتفظ رئيس المجلس السابق مايك فيليبس الموالي لترامب بمنصبه كرئيس للمجلس. وفي ظل هيمنة ترامب على الحزب الجمهوري وتأييد غالبة مرشحيه له، فإن النواب الجمهوريين بما يملكون من أغلبية مريحة سيؤيدون سياسات ترامب وتشريعاته المقترحة. وكان في المجلس السابق بضعة نواب ديمقراطيين معارضين للسياسة الأمريكية جذريا؛ بما فيها سياستها تجاه القضية الفلسطينية ومنهم النائبة الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، لكن يبدو أنه لامعارضين جذريين في هذا المجلس.
ومن أهم التشريعات التي سيقدمها ترامب الى المجلسين مشروع تعديل قانون الهجرة، بحيث تمكن حكومته من إبعاد ملايين المهاجرين والمقيمين غير الشرعيين، ومنع الساعين لذلك عبر الحدود مع المكسيك والبحار، وإكمال بناء الجدار العازل. وقد أكد ترامب عزمه على إنجاز أكبر عمليه إبعاد في تاريخ أمريكا. كما سيعمل على التشدد في إجراءات الإقامة والحصول على الجنسية الأمريكية، بل وإبعاد المعارضين للسياسة الأمريكية. وهناك بالطبع مشاريع قوانين ترتبط بتنفيذ برنامجه الانتخابي وخصوصا الإعفاءات الضريبية.
وبالنسبة للقضايا الخارجية فإنها تشمل وضع قيود وضرائب على الواردات الخارجية وخصوصا الصينية. وبالنسبة للحرب في أوكرانيا فيبدو أنه يتجه الى عقد صفقة مع بوتين تنهي الحرب وتحمل دول الناتو والاتحاد الأوربي تبعات إعادة بناء أوكرانيا، وبالنسبة للشرق الأوسط فإنه يبدو توجهه لمحاصرة إيران اقتصاديا وفرض تسوية لوقف الحرب، ولكن ضمن رؤية شرق أوسط جديد تهيمن عليه أمريكا وتلعب فيه إسرائيل دور القوة الإقليمية العظمى.
بالطبع.. إن استراتيجية ترامب وأمريكا ليست قدرًا مكتوبًا على الشعوب والأمم، لكننا أمام مرحلة خطيرة من في ظل قيادة أمريكية يمينية تضع ما تراه "مصلحة أمريكا" أولًا على حساب العالم، واستعادة السيطرة الأمريكية على شؤون العالم، مما يتطلب تحالفًا دوليًا لمواجهة ذلك.
