عبد النبي العكري
في سابقة تاريخية في الانتخابات الأمريكية اكتسح الجمهوريون الانتخابات الأمريكية وتشمل انتخابات الرئاسة والانتخابات الجزئية لمجلسي الشيوخ والنواب وحكام الولايات؛ حيث تأكد فوز دونالد ترمب على منافسته كمالا هاريس، وحصل الجمهوريون على أغلبية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، كما إن أغلبية حكام الولايات هم جمهوريون. يحدث هذا لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة وتترتب عليه نتائج خطيرة وبعيدة المدى في السياسات المحلية والخارجية خصوصاً في ضوء الاستقطاب الشديد في المجتمع الأمريكي وسياسات الحزبين في ضوء برنامج ترمب واستطرادا الحزب الجمهوري اليميني المُتطرف .
تميز السباق الانتخابي للرئاسة بالتنافس الشديد وأظهر مسار الحملة الانتخابية للمتنافسين ترمب وهاريس قسوة شديدة خصوصًا من قبل ترمب ضد هاريس وعملية تخويف للمجتمع الأمريكي الأبيض بشكل خاص من الأخطار التي يمثلها المهاجرون والحق في الإجهاض والحقوق المدنية الأخرى وسياسات الديمقراطيين وبالتحديد سياسات بايدن وهاريس والتي قادت أمريكا الى التدهور داخليا وتراجع قيادتها للعالم دوليا. وكون هاريس أول امرأة ملونة (أفريقية آسيوية الأصل) مرشحة للرئاسة في أمريكا التي لم ترأسها امرأة قط مقابل 46 رئيسًا من البيض باستثناء الرئيس باراك أوباما، فإنَّ ذلك شكل تحديا إضافيا لغير صالحها.
وبالمقابل حذرت هاريس من خطورة وصول ترمب للرئاسة في ضوء تجربة حكمه السابقة وبرنامجه اليميني الذي يؤكد على نزعة استبدادية وسلب الأمريكيين العديد من حقوقهم المدنية ومنها حق الإجهاض وتقويض الهجرة المشروعة التي تتميز بها أمريكا وتهميش الأقليات والإعفاءات الضريبية للأغنياء على حساب دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
بالنسبة لقضية فلسطين والعرب فلا يوجد فارق جوهري سوى أن ترمب يطلب من نتنياهو تصفية القضية بسرعة بينما هاريس تطرح مراعاة شكلية للمدنيين في مسار الحرب. وكما عبر عن ذلك رسم رمزي فإن نتيجة تنافس الرئاسة بالنسبة للعرب هو ما بين أبي لهب وحمالة الحطب.
الصراع على الرئاسة كان متقارباً جداً والاستقطاب على أشده بحيث إن المرشحين ظلا حتى لآخر يوم الإثنين قبل انتخابات يوم الثلاثاء يقومان بحملاتهما الانتخابية في الولايات المتأرجحة، هاريس في ولاية بنسلفانيا وترمب في ولاية متشجن.
بالنسبة للعرب والمسلمين والتقدميين عمومًا، فلم يكن لهم تأثير يذكر على برنامج المرشحين والحزبين رغم كل المحاولات ولم يتحدث باسم الفلسطينيين والعرب أي متحدث في مؤتمر الحزب الجمهوري أو الديمقراطي فيما تحدث في مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي مؤيدون "لإسرائيل" واللوبي الصهيوني؛ بل إن كلمات المرشحين للرئاسة وكبار المتحدثين أكدت على التحالف "الإسرائيلئ" الأمريكي ودعم أمريكا "لإسرائيل" في حرب الإبادة ووصف المقاومة بالإرهاب واستنكار الحركة الاحتجاجية الجامعية في أمريكا.
بالنسبة "لإسرائيل" واللوبي الصهيوني/اليهودي فقد كان له الصدارة في جميع مهرجانات المرشحين ترامب وهاريس وحظي كلٌ منهما بتمويل سخي من اللوبي الإسرائيلي والشركات والأثرياء المؤيدين لإسرائيل، وانعكس ذلك في برنامج ومواقف كلا المرشحين.
ترمب أكد في حملته الانتخابية أنه سيقوم بأكبر عملية في التاريخ لإبعاد المهاجرين وطرد أي مُقيم يحتج على السياسات الرسمية خصوصًا من المؤيدين لفلسطين والمعارضين لإسرائيل وللسياسة الأمريكية تجاهها، وسيقوض الحريات المدنية الإنسانية مثل حق الإجهاض ويدعم الطبقات الرأسمالية بمزيد من الإعفاءات الضريبية وانعاش الاقتصاد بتخفيض سعر الفائده ورفع الضرائب على الواردات خصوصا الصينية.
موقف ترمب تجاه العدو الصهيوني
بالنسبة لموقف ترمب من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية فلنا مثال فيما عمله في رئاسته الأولى، حيث تجاوز في دعمه للكيان الصهيوني كل الرؤساء الأمريكيين السابقين وكوفئ بإطلاق اسمه على مستعمرة في الجولان المحتل. وفي ضوء برنامجه الانتخابي وتصريحاته فإنه يدعم "إسرائيل" بقيادة نتنياهو في حرب الإبادة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وضد محور المقاومة بمشاركة أمريكية عسكرية وسياسية واقتصادية. ويلح على نتنياهو بإنجاز المهمة بسرعة دون أي اعتبار لاعتبارات إنسانية .كما إنه سيعزز التحالف مع الأنظمة الاستبدادية العربية لفرض تسوية للصراع والحرب الجارية بأسرع وقت وإقامة شرق أوسط جديد تهيمن عليه أمريكا وتكون فية "إسرائيل" القوة الإقليمية العظمى والبلدان العربية وجوارها خاضعة لأمريكا و"إسرائيل". وبالنسبة لدول مجلس التعاون فإنه بالإضافة إلى ماسبق فانه سيبتزها مجددا بفرض صفقات تسلح باهظة وامتيازات أمريكية مقابل مايدعوه حمايتها من المخاطر الخارجية.
يبقى أن مخطط نتنياهو وترمب لن يمر في ضوء المقاومة الباسلة للشعبين الفلسطيني واللبناني ودعم محور المقاومة والخسائر الكبيرة بل والهزائم التي تتكبدها "إسرائيل" والحركة الصهيونية طوال أكثر من عام في حرب لا سابق لإسرائيل بها.
وبالنسبة لما سيترتب على فوز الحزب الجمهوري بأغلبية مجلسي الشيوخ النواب، فإنه يطلق الحرية لترامب والحزب الجمهوري في تنفيذ برنامجهم دون معارضةٍ؛ مما يشكل خطورة للسياسات الأمريكية داخليا وخارجيا وهو ما يتخوف منه حتى حلفاء أمريكا في حلف الأطلسي والاتحاد الأوربي خصوصا ما يتعلق بأوكرانيا. وبالطبع فإن محور الصين/ روسيا وحلفائهم سيواجهون تحديات لاسابق لها وبالطبع مخاطر جسيمة للبلدان النامية والطامحة للتخلص من الهيمنة الأمريكية والغربية في ظل حكم ترمب والجمهوريين، وهو ما سنناقشه في حلقة أخرى.