الرؤية- سارة العبرية
تبذل سلطنة عمان جهودا ملموسة لتحقيق نقلة نوعية في قطاع الاقتصاد الأزرق، من خلال الاستفادة من الموارد البحرية والاستثمار في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
ويأتي هذا التوجه انطلاقا من الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به السلطنة إلى جانب التنوع الأحيائي، حيث تمتد سواحلها لأكثر من 3000 كيلومتر على بحر العرب وبحر عُمان، وتحتضن مجموعة من الموانئ التي تتيح فرصًا للاستثمار في قطاعات الشحن والخدمات اللوجستية والطاقة.
وبحسب الإحصائيات، يمثل قطاع الصيد حوالي 6% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في عُمان، ويوفر فرص عمل لحوالي 40.000 شخص يعملون في الصيد البحري وصناعات الأحياء البحرية، مع إنتاج سنوي يُقدّر بـ 300.000 طن من الأسماك، كما شهدت السياحة البيئية نموًا سنويًا تجاوز 10%؛ حيث ساهمت بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 مع توفير آلاف فرص العمل الجديدة.
وفي مجال الطاقة المتجددة، من المتوقع أن تستثمر سلطنة عُمان حوالي 30 مليار دولار أمريكي حتى عام 2040؛ أي حوالي 11.55 مليار ريال عُماني، مع خطط لإنتاج 25 جيجاوات من الطاقة المتجددة ضمن مشروع الدقم للطاقة النظيفة.
كذلك، تحقق الخدمات اللوجستية وخاصة عبر ميناء الدقم، عائدات سنوية تبلغ نحو 1.5 مليار دولار؛ حيث يعدُّ هذا القطاع محورًا استراتيجيًا نظرًا لموقع السلطنة الذي يتيح عبور نحو 30% من حركة النفط العالمية عبر موانئها، مما يعزز مكانتها في الشحن البحري الإقليمي والدولي.
وبلغت قيمة صادرات المنتجات البحرية حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي في عام 2022، في ظل الاستثمارات الهائلة في البنية الأساسية لضمان استدامة الموارد البحرية.
وفي مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، تستثمر عُمان في موارد الطاقة الشمسية والرياح بالتعاون مع شركات دولية، حيث تُعتبر مشاريع مثل مشروع الطاقة الخضراء في الدقم خطوة نحو جعل السلطنة مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة، باستثمارات تصل لمليارات الدولارات، بالإضافة إلى ذلك، تعد الخدمات اللوجستية والنقل البحري ركيزة أساسية بفضل امتلاك السلطنة ستة موانئ رئيسية تدعم التجارة الدولية، مثل ميناء صلالة وميناء الدقم، اللذين يربطان آسيا وإفريقيا وأوروبا ويعززان مكانة السلطنة كمحور لوجستي إقليمي.
وانطلاقا من هذه المعطيات، أقيم ملتقى الدقم الخامس لعام 2024، لتسليط الضوء على 3 محاور أساسية لدفع الاستثمارات نحو الاقتصاد الأزرق، وهي: تطوير استراتيجيات للاستثمار المستدام في هذا القطاع، وتعزيز فرص الاستثمار في قطاعات الأمن الغذائي والسياحة واللوجستيات والطاقة المتجددة، واستكشاف التقنيات والتجارب العالمية لدعم الاستثمارات في هذه المجالات.
وتهدف هذه المحاور إلى تحويل عُمان إلى وجهة استثمارية مركزية في الاقتصاد الأزرق، ما يسهم في تعزيز التنوع الاقتصادي وتحقيق رؤية "عُمان 2040"، كما جسد الملتقى التزام سلطنة عُمان بتطوير بيئة الاستثمار ودعم الاقتصاد الأزرق.
وفي تصريحات له، قال المكرم الدكتور سالم بن سليم الجنيبي رئيس مجلس إدارة فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة الوسطى، إن ما تملكه سلطنة عُمان من شريط ساحلي وبُنى أساسية وما تستشرفه من نمو في قطاع الطاقة البديلة يجعل منها أحد أبرز المؤثرين في خطط الاقتصاد الأزرق ويؤهلها بأن تشكل مركز استقطاب لرؤوس الأموال في مشاريعه المختلفة.
وأوضح سعادة الشيخ خليفة بن علي الحارثي وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، أن وزارة الخارجية ومن خلال تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية تشكل حلقة وصل بين الجهات المعنية والدول أو الكيانات والأفراد الراغبين في الاسثتمار في سلطنة عُمان، وأن الوزارة سوف تستضيف النسخة الثامنة من مؤتمر المحيط الهندي، في مسقط في فبراير 2025، بهدف تعزيز الشراكات الدولية وتطوير الحلول المبتكرة التي تسهم في استدامة واستقرار منطقة المحيط الهندي.
بدوره، أكد سعادة الشيخ أحمد بن مسلم الكثيري محافظ الوسطى أن المحافظة تشكل مركزًا إقليميًّا مُهمًّا لقطاع اللوجستيات البحرية بولاية الدقم التي تتميز بموقعها الاستراتيجي الواسع الأفق نحو الموانئ العالمية، والمناطق الصناعية المتكاملة التي تمثل ركيزة أساسية لدعم تحقيق أولويات رؤية السلطنة الهادفة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي وايجاد فرص عمل مُستدامة.
وأشار إلى أن إجمالي الاستثمارات القائمة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بلغ أكثر من 6 مليارات ريال عُماني في الربع الثالث من عام 2024، إلى جانب مشروع مصفاة الدقم، والتي أصبحت من أهم المصافي على مستوى المنطقة، وتكلفت أكثر من 8 مليارات دولار، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 230 ألف برميل يوميًّا.
وتابع سعادته "أن المحافظة تعمل على مشاريع ذات الأثر العالي في مجال الكربون الأزرق لتوفر الأراضي الرطبة، من خلال إنشاء بحيرات صناعية ملائمة لزراعة أشجار القرم جاءت من أجل تحقيق عوائد بيئية واقتصادية من خلال استثمار رأس مال يقدر بـ100 مليون دولار لاستصلاح أراضٍ على مساحة 20 ألف هكتار تستوعب أكثر من 100 مليون من أشجار القرم، إضافة إلى مشاريع الثروة السمكية والأنشطة المتعلقة بها؛ حيث يشكل هذا القطاع نسبة 37 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي؛ مما يشكل ثروة وطنية استراتيجية لتحقيق التنمية المُستدامة وتعزيز الأمن الغذائي وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل".
وأشار سعادة محافظ الوسطى إلى أن المشاريع القائمة لقطاع الثروة السمكية تضم استثمارات بقيمة 611.5 مليون ريال عُماني، وأن من أهم هذه المشاريع ذات الأثر العالي مشروع الجازر لاستزراع الروبيان بقيمة استثمارية 462 مليون ريال عُماني وبقدرة إنتاجية تصل إلى 220 ألف طن سنويًّا، ومشاريع الصناعات السمكية والغذائية والتي بلغت كلفتها 105 ملايين ريال عُماني، ومشاريع موانئ الصيد البحرية بولايات الدقم ومحوت والجازر بإجمالي تكلفة بلغت 102 مليون ريال عُماني، إضافة إلى مشاريع تطوير الأسواق السمكية وقرى الصيادين بولايتي الدقم والجازر بتكلفة بلغت 4 ملايين ريال عُماني".
ولفت صالح بن حمود الحسني مستشار رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة، إلى أن الهيئة تسعى إلى تشجيع الاستثمارات المستدامة وتقديم حوافز للمستثمرين في مجالات مثل تربية الأحياء البحرية، والطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية، وذلك إلى جانب حرصها على تحسين البنية الأساسية من خلال تطوير الموانئ والمرافق اللوجستية لدعم أنشطة النقل والتجارة، ووضع سياسات بيئية صارمة تهدف للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري وتقليل التلوث.
وأضاف الحسني أن دور الهيئة في نمو الاقتصاد الأزرق يتحقق من خلال تسهيل الاستثمار؛ حيث تُقدِّم هذه المناطق حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والرسوم المخفضة؛ مما يشجع المستثمرين على ضخ الأموال في مشاريع مرتبطة بالاقتصاد الأزرق، مثل الصيد المُستدام، وتربية الأحياء البحرية، والسياحة البحرية، وتطوير البنية الأساسية والتي تساعد المناطق الاقتصادية الخاصة في تحسين البنية الأساسية اللازمة للنشاطات البحرية.
يشار إلى أن السلطنة تسعى إلى رفع مساهمة قطاع الاقتصاد الأزرق من إجمالي الناتج المحلي إلى أكثر من 10% بحلول عام 2040، عبر التركيز على تعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة بهدف تقليل انبعاثات الكربون ودعم الاستدامة البيئية، ومن خلال مشاريع مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والرياح.