الشباب ثم الشباب ثم الشباب

 

 

خلفان الطوقي

 

في 26 أكتوبر من كل عام، يحتفلُ وطننا الحبيب بيوم الشباب العُماني، في تأكيد رسمي وحكومي على أهمية هذه الفئة، خاصة وأنَّها تمثل النسبة الأكبر من عدد السكان في عُمان، وفي هذه المناسبة المُهمة لبلادنا عامة، والشباب على وجه الخصوص، زفَّ صاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضية والشباب، خبرَ افتتاح 3 مراكز للشباب إضافية، لتكون فروعًا لمركز الشباب في محافظات الداخلية ومسندم وجنوب الشرقية، والرحلة مُستمرة بخطى أسرع وللأفضل؛ بإذن الله.

ولأننا نتحدث عن الشباب، فإنَّ تركيز محتوى المقال سينصب عليهم؛ حيث تتكرر دومًا مقولة "أفضل الاستثمارات تكون في الموارد البشرية التي لا تنضب أبدًا"؛ لأنَّ الموارد البشرية المدربة والمؤهلة تأهيلًا علميًا ومهنيًا عاليًا هي التي تستطيع أن تُطوِّر البلد وتُحافِظ عليه، وتنقُله نقلات نوعية بشكل مُستمر، وعكس ذلك تكون النتيجة معروفة ومتوقعة، ففاقد الشيء لا يُعطيه، وهذه القاعدة ثابتة في كل زمان ومكان، والشواهد التاريخية أكبر دليل على ذلك. وعلى الحكماء الاستشهاد واستحضار التاريخ في مثل هذه المواقف.

وبما أنَّ الحديث في هذا المقال يُركز ويوصي بالاستثمار النوعي والإضافي والمُنظَّم في الموارد البشرية العُمانية، فإنَّ التركيز الأهم والجوهري يجب أن ينصب على الموارد البشرية الشابة، بدءًا من أيام الدراسة في مراحلها الابتدائية وما قبلها وانتهاء بمرحلة الدبلوم العام والجامعة وفترة البحث عن الفرص التدريبية والوظيفية والسنوات الأولى من الوظيفة، ولا بُد من الاستفادة من طاقاتهم المهولة، وتوظيفها بالشكل الصحيح.   

وكما تقول القاعدة المنطقية "حسب المدخلات تكون النتائج"، فإن كانت المدخلات علمية ومُنظَّمة وفق رؤية حكومية واضحة في الاهتمام والرعاية واستيعاب واحتضان الشباب، فإنَّ النتائج سوف تكون إيجابية ولصالح الوطن، وبما يخدم توجهات البلاد الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والتنموية. وعلى النقيض من ذلك، إن كانت المدخلات الحكومية مُشتتة وضعيفة، فإنَّ النتائج سوف تكون بذلك المستوى الضعيف، وبذلك تتحول هذه الطاقات إلى عبء ثقيل وأرق مستمر للدولة من كل النواحي، وعلينا ألّا نتوقع غير ذلك.

والاستثمار في الشباب هو شعار رائع، ويتم ترديده في المحافل الإعلامية والاحتفالية السنوية بهم، لكن الأهم من ذلك هو كيفية تحويله من احتفالية وشعار جميل إلى تطبيقات عملية على مدار العام من خلال برامج حكومية ممنهجة تلامس كل فئات الشباب، برامج تلامس حديثي التخرج، وبرامج الباحثين عن فرص العمل، وبرامج الملتحقين حديثًا إلى العمل في قطاعي العام والخاص، وبرامج لأصحاب الأعمال الخاصة، وبرامج تطال حتى الجالسين في البيوت دائمي الشكوى والحسرة، وغيرهم من الفئات، فجميعهم جزء من هذا النسيج الشاب والمكون المجتمعي، ولابد من تصميم برامج تلامسهم وتستوعبهم في ظل التطور التكنولوجي الهائل والمُتغيرات المتسارعة وتطلعاتهم المتنامية.

ورعاية واستيعاب الاستثمار في فئة الشباب ليست مسؤولية جهة دون أخرى؛ بل هي مسؤولية حكومية بشكل جماعي، ولا بُد من تجويد وتوحيد الجهود، والعمل بشكل تكاملي وممنهج ليرى الأثر، ويمكن في هذا الصدد تشكيل فريق عمل مشترك يضم كفاءات من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووزارة العمل، ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والأكاديمية السلطانية للإدارة، وأعضاء من لجنة الشباب من مجلسي الشورى والدولة وشخصيات مستقلة، وغيرهم من الجهات ذات العلاقة بشكل مباشر أو غير مباشر، لتكون مهمتهم الجوهرية اقتراح وتصميم البرامج التأهيلية التي تلامس كل فئات الشباب، التي تجعله إنسانًا إيجابيًا حيويًا سويًّا مبادرا ومنتجًا داخل عُمان وخارجها، ويستطيع الاعتماد على نفسه من خلال الأدوات الممنوحة له، والبرامج التي تغذى بها.

بذلك سوف تتمكن الحكومة من تحويل الأعداد الكبيرة من الشباب من كونها "عبء"- إذا جاز التعبير- إلى استثمار حقيقي، ومن تحدٍ كبير إلى دعائم بشرية تنقل سلطنتنا إلى مراتب أقوى وأفضل؛ وليكون ذلك شعارًا وطنيًا حقيقيًا وعمليًا في كل جهة وعند كل مسؤول حكومي، وفي كل حين، وفي كل قرار أو سياسات حكومية أن يكون هذا الشعار حاضراً وفي ذهنه: "الشباب ثم الشباب ثم الشباب"، ليس قولًا؛ بل تطبيقات وبرامج حقيقة ذات أثر باقٍ وملموس؛ لأنهم صمام الأمان والاستثمار الأجدى والأبقى والذي لا ينضب أبدًا.

الأكثر قراءة