علي بن سالم كفيتان
مضتْ خمس سنوات على التشكيلة الحكومية الحالية، بما لها وما عليها، ولا أدرى على ماذا تستند قناعات بعض المواطنين بأن فترة المقعد الوزاري ورئاسة المؤسسات العامة لا يجب أن تتخطى الخمس سنوات! ويرونها فترة كافية جدًا لإظهار المسؤول جدارته في إدارة الحقيبة التي أُوكلت إليه؟ ولا أدرى كذلك سبب توقُّع قاعدة عريضة من الناس بأن الفترة المقبلة قد تشهد انطلاقة جديدة لحلم مؤجل.
وفي ظل حديث عن حفل طلابي كبير خلال شهر يناير المقبل، يعتبر البعض أن عودة الاحتفالات الكبرى رمزيةٌ للتعافي الاقتصادي الاجتماعي في البلاد، ولا شك أن هذا التعافي ننعمُ به بفضلٍ من الله، ثم القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- إلى جانب تحمُّل العديد من مكوّنات المجتمع لتبعات المرحلة الانتقالية المفصلية، رغم التحديات الكبيرة.
على مدى الخمس سنوات الماضية من العهد المُتجدَّد، حلَّقت سياسة عُمان الخارجية عاليًا في سماوات المجد والعِزَّة، وتناغمت بشكل فريد مع نبض الشارع العُماني، المؤمِن بالحرية والعدالة والاستقرار لكافة شعوب الأرض، ونبذ الحروب والصراعات، والاستماع لصوت العقل والحوار؛ وهي بذلك شكَّلت استمرارًا لنهج راسخ اختطه ربانها الراحل السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه. ولا شك أنَّ معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية هو المايسترو الأكثر واقعية في الشرق الأوسط؛ فلم يعزف سليل السادة البوسعيديين، أي مقطع نشاز سياسي، في ظل صخب الجوقة، وتعارُض نغماتها مع ثوابت مجتمعاتها وهويتها في منطقتنا المُلتَهِبة، فأبقتْ عُمانَ على دعمها الصريح للقضية الفلسطينية ورفضها الفصيح لإجرام الطغمة الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني المنكوب، وتواكب ذلك مع موقف مشهود لعلماء الدين في بلادنا وعلى رأسهم سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي، مفتى عام سلطنة عُمان، إلى جانب نخبة من الكُتَّاب والأدباء والشعراء والمُفكِّرين، الذين ظلُّوا منافحين عن الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني.
لا يختلف اثنان أنَّ قطاع الأمن والدفاع شكَّل صمَّام الأمان لبلادنا الغالية، وعمِل على الانتقال السلس للحكم في البلاد، عقب وفاة القائد المُؤسس لنهضتنا الحديثة- رحمه الله- وظل هذا القطاع سدًا منيعًا لحماية كل المُنجزات التي تحققت في عُمان، وساهم بشكل كبير في توظيف عدد من الباحثين عن عمل من خلال التجنيد في مختلف القطاعات الأمنية والعسكرية، وحافظ على تميزه في تقديم الخدمات وتحديثها بما يتماشى مع التحوُّل الرقمي، ونُشير هنا إلى إنجازات شرطة عُمان السلطانية، على سبيل المثال وليس الحصر. وقد ظلَّت بلادنا على موقفها الثابت الذي يحترم الإنسان وحرية التعبير في الأُطُر التي لا تضر بمنجزات الوطن ولا تُزعزع الاستقرار الفريد الذي تتمتع به. ولم تكن عُمان يومًا دولة بوليسية تعاقِب أبناءها في غياهب السجون، على آرائهم وأفكارهم وتوجهاتهم؛ بل في المقابل مارست عُمان الحديثة سياسة العفو في أبهى صورها، وأنقى أشكالها، مهما كان الخطأ؛ لتضمن بذلك لُحمة المجتمع، وتُقيل عثرات ونزوات الإنسان، ولا أصدق من ذلك إلّا ما قاله القائد الراحل "عفا الله عمَّا سلف".
فيما يبقى ملف السياسات الداخلية بشقيه الاقتصادي والاجتماعي الأكثر حضورًا في أحاديث الناس ومجالسهم، فهم توَّاقون لتحسين مُجريات معيشتهم اليومية، من خلال نجاح مؤشرات التعافي الاقتصادي، التي تم من خلالها ضبط المصروفات وخفض المديونية وتحقيق فوائض مالية، فضلًا عن جهود معالجة أوجه الفساد، بحيث ينعكس كل ذلك على توفير وظائف تُتيح للشباب مصدرَ دخل ثابت وآمن، لبدء حياتهم. هذا لأن تراكم أعداد الباحثين عن عمل بات يمثل القضية المركزية في بلادنا، وهذا ما أعلن عنه مجلس الوزراء الموقر، في آخر اجتماعاته برئاسة حضرة صاحب الجلالة السلطان المفدّى- نصره الله- واعتبارها الأولوية القصوى التي يجب التعامل معها، من خلال خلق فرص جديدة في القطاع العام، عبر مراجعة الاحتياجات الفعلية وتفعيل سياسات الإحلال (التعمين) ودعم نوافذ التشغيل الحقيقية في القطاع الخاص. وكُل هذا يقودنا إلى أهمية دراسة آليات جديدة للتعامل مع من تخطّت أعمارهم سن الثلاثين، ولم يجدو عملًا، وظلوا معلقين دون أمل يلوح في الأفق، عبر سياسات وحلول من خارج مندوس وزارة العمل؛ فهذه الفئة باتتْ تركنُ إلى اليأس تدريجيًا، وتُشكِّل مُعضلة لا يمكن التنبؤ بتبعاتها في المستقبل؛ إذ إن الاستقطابات أضحت على أشدَّها من حولنا، ونرى أن هذا الظاهرة (البطالة) باتت هي الخاصرة الرخوة التي يجب الاهتمام بها، ومنحها الأولوية التي تستحق، حمايةً للأمن والسلم الاجتماعيين في بلادنا، وحفاظًا على طاقات شبابنا من الانزلاق إلى مهاوي الانحراف والضلال.
ولا بُد من مراجعةٍ متأنيةٍ لسياسات وسائل الإعلام وضرورة مزاحمتنا الايجابية لفضاءات العالم، لأن صوتنا لا يصل للعالم كما ينبغي، وأدواتنا في محاكاة صناعة الاعلام ما تزال دون الطموح، وقوتنا الناعمة لم نستغل منها سوى النزر اليسير، رغم كل المُمَكِّنات. وهنا أرجعُ إلى ما بدأتُ به مقالي، من قناعات الشعب العُماني الوفيّ، وثقته في قيادته الحكيمة وتوقعه لانبلاج فجرٍ جديدٍ قريبًا، عبر حزمة من التغييرات المنشودة، التي تُعظِّم من جهود الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، التي بُذِلَت خلال السنوات الخمسة الماضية.
وحفظ الله بلادي.