حاتم الطائي
◄ "جهاز الرقابة" يقود جهود مكافحة الفساد وترسيخ قيم النزاهة
◄ الفساد آفة خبيثة.. والقضاء عليه يتطلب تضافر جميع الجهود
◄ عُمان تتقدم في مؤشرات مكافحة الفساد بفضل الجهود الوطنية
جُهدٌ هائلٌ يبذله جهاز الرقابة المالية والإدارية، في مُكافحة الفساد والقضاء على المُمارسات غير العادلة ومُجابهة الاختلالات التي تعترض مسيرة العمل الإدارية في بلادنا الحبيبة، ولقد استنَّ الجهاز قبل سنوات سنة حسنة، بإصدار "ملخص المجتمع" الذي يرصد فيه الأداء السنوي للجهاز وجهوده في تطبيق القانون على المؤسسات والجهات الخاضعة لسلطته الرقابية، في خطوة تؤكد الحرص على ترسيخ قيم النزاهة والمساءلة وتطبيق أفضل ممارسات الحوكمة، علاوة على أهمية الحفاظ على المال العام.
وهذا المُلخص الذي يولي الجهاز حرصًا كبيرًا على إصداره وتوزيعه على شتى وسائل الإعلام، ونشره عبر منصاته الرقمية في الفضاء الإلكتروني، ليؤكد أنّ جهود الرقابة على المال العام في عُمان تترسخ بقوة يومًا تلو الآخر، وتؤكد أنَّ هناك رجالًا أمناء على هذا الوطن ومقدراته، من أجل الحفاظ على ما تحقق من منجزات. وهنا يمكننا أن نستقرئ ميزة كبيرة تؤكد دور الإعلام في تسليط الضوء على جهود مؤسسات الدولة، وأنَّ وسائل الإعلام شريك أصيل في محاربة الفساد والكشف عن المخالفات المالية والإدارية في أي مؤسسة عامة إن وُجِدت.
والحقيقة أنَّ رؤية "عُمان 2040" قد وضعت ضمن أولياتها النزاهة والمساءلة وكذلك تفعيل دور الإعلام في التنمية، وأداء دوره الرقابي في المجتمع، تمامًا كما يحدث في المجتمعات المتقدمة، والتي تنشد الرؤية المستقبلية أن تكون سلطنة عُمان من بينها في العديد من المؤشرات. والنزاهة والإعلام مرتبطان ببعضهما البعض؛ حيث تسهم وسائل الإعلام- بمختلف أنواعها- في ترسيخ قيم النزاهة، عبر توعية المجتمع بأفضل الممارسات الدولية في هذا الجانب، وفضح المخالفين والكشف عن أولئك الذين يتربصون بالوطن ويسعون لتحقيق مآرب خاصة على حساب موارد الدولة.
والفساد آفة خبيثة لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، ويجب أن نشعر بالفخر دائمًا أن هناك جهات رقابية تتولى أمانة الكشف عن المخالفين والفاسدين، ومعاقبتهم من خلال الجهات المختصة الأخرى، على ما ارتكبوه من مخالفات وجرائم أضرت بالوطن. وكما أن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة هو المؤسسة الرسمية المعنية بمكافحة الفساد، فإنَّ كل مواطن؛ بل كل من يعيش على تراب هذا الوطن وينعم بخيره، يجب أن يكون شريكًا في مواجهة أي أعمال غير قانونية، أو تسعى للاستفادة من خيرات الوطن دون وجه حق.
والفساد أنواع، منها الإداري والمالي، لكن الأخطر على الإطلاق هو فساد الذمم والنفوس، وهذا النوع شديد التأثير على المجتمع، ويضر بتماسكه وينهش في نخاعه العظمي، لأنه يُصوِّر للبعض أن الفساد والتكسُّب غير القانوني ليسا سوى ذكاء ومهارة خاصة، وأنَّ الأموال التي يجنيها الفاسدون ما هي إلّا أرباح من أعمالهم التي اجتهدوا فيها، ويدافعون عن فسادهم بالزعم أنَّ الاستفادة من المنصب أمر شائع في كل دول العالم. وهنا مكمن الخطر؛ حيث لا يتوارى أمثال هؤلاء عن تصوير الفساد بصورة غير حقيقية، ليبرروا فعلتهم المُنكرة، ويُحلُّون لأنفسهم ما يُعاقب عليه القانون، وقبل كل ذلك يُخالف الأوامر الربانية في كل زمان ومكان.
إنَّ أي جهود تصب في صالح اجتثاث بذرة الفساد في أي بيئة عمل، هي محل تقدير وإشادة، لأنَّ العمل المُضني الذي يؤديه موظفو ومنتسبو جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، يتطلب الكثير من الجهد والتعب؛ سواء فيما يتعلق بعمليات مراجعة العقود والمناقصات، أو إعادة حساب التكاليف والنفقات. ولا ريب أنَّ مثل هذه الأعمال تتطلب من موظفي الجهاز مهارات خاصة في تنفيذ أعمال الرقابة والتدقيق على الحسابات، واضعين نصب أعينهم مصلحة الوطن والمواطن.
والحقيقة أنَّ الجهاز يضع في مقدمة أولوياته الحفاظ على المال العام وصون مُقدّرات الوطن، دون افتراض شبه جنائية في أي موظف عام في الدولة، لكن في حالة تيقُّن الرقيب المالي والإداري من تعمد ارتكاب أي جريمة مرتبطة بالمال العام، هنا تبدأ الإجراءات. وهذه النقطة أشير إليها بوضوح، لأنَّ بعض الموظفين في عدد من مؤسسات الدولة، لا سيما تلك المعنية بقطاعات الاستثمار وغيرها، قد يلجأ إلى تكريس إجراءات بيروقراطية صعبة للغاية، خشية أن يتعرض لتدقيق مالي وإداري؛ ليتسبب بذلك في تعطيل العمل وتعميق ممارسات بيروقراطية تهدد الكثير من المشروعات. وهنا نقول لكل موظف إن الالتزام بالقانون أولى، وتطبيق القواعد المعمول بها في مختلف الإجراءات هو الحَكَم والفيصل.
لقد شهدت السنوات الماضية إجراءات حكومية حكيمة سعت إلى تقليص النفقات غير الضرورية من أجل توجيهها إلى المُستحقين من الفئات الأكثر احتياجًا، من خلال ما يتم تقديمه من دعم في الكثير من الأمور، ولذلك على الجميع أن يسعى لدعم الحكومة في توجهها المبارك لحماية المال العام، وأن يكون كل فرد في المجتمع حريصًا على المال العام كحرصه على أمواله الشخصية، وأن نواجه أي مخالفات بكل حزم وصرامة، وألا نتهاون مع كل من تسول له نفسه الاعتداء على حرمة المال العام، أو استغلال المنصب لتحقيق أرباح شخصية، أو غير ذلك من أوجه الفساد التي يعلمها القاصي والداني.
وبناءً على كل هذه الجهود، تتقدم عُمان سنة تلو الأخرى في مؤشرات مكافحة الفساد الدولية، وهو هدف استراتيجي تسعى إليه رؤية "عُمان 2040"؛ الأمر الذي يحقق العديد من المنافع الوطنية في قطاعات عدة، وخاصة جهود جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحويل السلطنة إلى مركز إقليمي للعديد من الخدمات، اعتمادًا على ما تزخر به من مقومات واعدة.
ويبقى القول.. إنَّ الجهود المُباركة التي يُنفذها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بقيادة رجال الوطن المخلصين، المشهود لهم بالكفاءة والحِنكة والتمكُّن من أعمالهم، لهي محل إشادة وتقدير من مختلف فئات المجتمع، ولتمضِ سفينة الوطن رافعة أشرعة العطاء والمجد، مُبحرة نحو مرافئ الاستقرار والرخاء، لتظل عُمان شامخة بين الأمم.