"الفلك دوَّار".. وكما تُدين تُدان!

 

لينا الموسوي

إنها أحاديث وأمثلة نسمعها دائماً تتداول بين الناس في مجتمعاتنا العربية، ويقال إنه حديث نبوي شريف، قد يكون ضعيفًا وبلا سند، لكن محتواه عميق ودقيق؛ حيث إن الحياة على مختلف أزمنتها وعصورها هي الحياة والإنسان وما يتميز بصفات خير أو شر هو الإنسان، منذ أن خُلق، وحتى الآن، وأن أسباب الصراعات البشرية على السلطة والقوة والمال عبر الأزمنة وفي مختلف العصور هي ذات الصراعات لم تتغير إلّا في الأدوات والفكر والأسلوب والاتجاهات.

لذلك نجد في كتاب الله الكريم آيات متكررة فيها عبر وقصص عن حياة شعوب وأقوام في مختلف العصور والأزمان. ولو تفكرنا في تلك القصص لوجدنا بأن ما يحدث اليوم قد حدث في الأمس وأن ظلم وعدل الإنسان لأخية هو واحد، في مختلف العصور وعلى مختلف المستويات سواء في المجتمعات أو على مستوى الدول والحكومات.

أحببتُ أن أتحدث في هذه الكلمات وبعد صمت طويل ومشاعر ألم وحزن لم أستطع أن امتنع عنها، لما يحدث اليوم في عالمنا العربي من دمار متكامل على مختلف مستوياته الفكرية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية، علمًا بأنني بعيدة كل البعد عن السياسة، وأني أعيش في الغرب منذ زمن طويل، لكنني من جيل قد نشأ وتربّى وترعرع على كلمات تدعو إلى الوحدة العربية لكل ما تحمله من مبادئ ودين ولغة وخيرات وحضارات ونسيج اجتماعي مترابط، فأخذ يتناثر وتتساقط أوراقه واحدة تلوا الأخرى وتعصف أجواؤه برياح تسحب كل ما فيها من أخضر ويابس.

كل ذلك نتيجة للانشغال بالحروب والجوع والتهجير والنعرات الدينية والعرقية التي دخلت في قلوب ونفسيات تلك المجتمعات، متناسين أن ما يجمعهم عمومًا هو دين واحد ولغة وعادات وتقاليد واحدة، مجتمع عربي يمتلك المال والخيرات والأراضي والمزروعات والفكر والعلم والعمل والقدرات تحوَّل إلى مجتمع ظاهري استهلاكي غير مبالٍ بما يحدث من حوله، متحمل كل الألم والآهات وأقوى اللكمات.

الحروب المتكررة في مختلف دولنا العربية والتي تسببت في هجرة مئات الآلاف من البشر، على مختلف مستوياتهم الاجتماعية، تاركين خلفهم حضارة ولغة ودينًا وعزًا واسمًا وجاهًا، باحثين عن الراحة والأمان والاستقرار، مُتنقلين بين الجبال وعبر البحار، متعرضين الى الخوف والظلم والجوع والفساد، وأقاويل الفكر السطحي والصراعات، منشغلين بالقيل والقال والكلام الجارح واللامبالاة، وعدم إدراك حقيقة المثل الذي يقول إن "الفلك دوار يدور باتجاهك فينفعك، وآخر ضدك ضار ولو طال الزمان فيضرك"، أو "كما تدين تدان، فلا يدوم مال ولا منصب ولاجاه وما هو دائم إلّا وجه الله".

لذلك- أحبتي- يجب علينا أن نتفكر وندرك أننا شعوب أمة واحدة مهما اختلفت الآراء والأفكار والطوائف والأديان، فنفهم حقائق الأمور، ونبتعد عن الأقاويل والقيل والقال، وندرك حقيقة أن ما يجمعنا كشعوب عربية داخل أو خارج الأوطان أعمق وأكبر مما هو ظاهر للعيان، إنها ليست شعارات ولكنها حقيقة تُقال.

نحن شعوب لدول مختلفة الحضارات متنوعة في الكرم والخيرات، تتميز بالرحمة وتحمل النكبات على رغم كل الكدمات وتهجير الأسر وتشرد الشباب في مختلف الدويلات.. شعوب يظللها دين واحد يدعو الى مؤازرة كل مُتضرر في كل مكان وزمان، وما علينا سوى أن نستذكر دوما أننا أهل الخيرات فنتسلح بالوحدة والتعاون المؤازرة، وألا ننسى أننا مثلما نُدين نُدان!

تعليق عبر الفيس بوك