كلمة السِر.. المدرب العُماني

 

حمد الناصري

 

تابعتُ وبشغف مُباراة منتخبنا الأحمر مع الأزرق الكويتي ليلة الخميس 10 أكتوبر 2024 على مجمع السلطان قابوس الرياضي، لتصفيات كأس العالم 2026، وانْتَشيت أنا والملايين من الجمهور الرياضي العُماني بالأداء والنتيجة بعد أنْ وصَلنا إلى حالة من اليأس في المُباريات السابقة وكانت مُباراة حماسيّة أعادت نشوة الانتصارات وذكرتنا بروح أحمرنا العُماني القتالية، في خليجي 18 و 19، حتى لُقب وقتها بـسامّبا الخليج.

وبتحليل بسيط للمُباراة وضَح لي أنّ سِرّ التغير في الأداء والروح القتالية هو المُدرب رشيد جابر الذي تمكّن من تحرير اللاعبين مِن القُيود التي وضَعها المُدرب السابق وأطلق لهم حُرية الُلعب التي يَتميز بها اللاعب العُماني وكان ذلك جليًا من أول دقائق المُباراة رغم أنّ الجمهور كان يتوجّس من خيبة أمل جديدة إلاّ أنّ الأحمر ومُدربه الفَذ كانوا لها وأبُوا أنْ يخرج الجمهور مِن المَلعب إلا وهو في نشوة انتصار كبير.

إنّ الكابتن رشيد جابر لم يَمتلك عصا سحرية غَيّرت الأداء والروح للمنتخب في أيام مَعدودة ولكنه ابن هذا البلد المِعْطاء والأقدر على فَهْم لاعِبيه وقدراتهم وتسخير إمكانياتهم وقد أخرج المُنتخب وحتى الاتحاد العُماني لكرة القدم من دَوّامة اختيار واسْتبدال المُدربين الأجانب.

وكان للجمهور الرياضي صَوته المَدوي وكلمته الفَصْل في حثّ الاتحاد العُماني لكرة القدم على تغيير المُدرب والاسْتعانة بالمُدرب الوطني .. ولذا لم يَجد الاتحاد العُماني إلا أنْ يَنتصر للكرة العُمانية ويُلبي نداء الجمهور الرياضي، الذي امتدت مُطالباته إلى أبْعد من ذلك، وعلى حَدّ قول أحد كبار المسؤولين سيكون المُنتخب، الحصان الأسود في تصفيات آسيا 2026.

والكابتن رشيد جابر مَعروف كلاعب شَهدت له الملاعب العُمانية والدولية لِسِنين فهو  اللاعب المُجيد، ذو المهارة الكروية، الشّغوف بحبّ الانتصار وتحقيق الأهداف.. وكانت فلسفته الاحترافية بأنّ سامّبا الخليج، لنْ يكون الحصان الأسْود بل هو الحصان الأجْود.؛ وسرَّها في نفسه ولم يُبدها أبداً حتىّ أنّ المُدرب جابر رشيد تحدّث قبل بدء المُباراة مع الكويت بلغة ركّز  فيها على فلسفة العَطاء والجُهد وبأسلوب المُحترف الواثق من نفسه ولاعبيه، وبلباقة وكياسةٍ حازَتْ رِضا الجمهور، فقال بهدوء الواثق "مُواجهة الكويت صَعبة لكن المُنتخب يَسْعى لمصالحة الجماهير وتحقيق الفوز الأول في التصفيات..".

وكان المدرب الوطني عند وعْدِه ولم يُخلفه. فحَقّق ولاعِبوه انتصاراً يَشِفِي غليل الجماهير المُتعطشة للفرح والإنجاز. وكانت المُباراة مَلْحَمة وطنية بأرفع مَقامها، وزحفت الألوف مِن جماهير مُنتخبنا الوفية كعهدها لِمُؤازرته.. ولتكون كما عُرف عنها دومًا، اللاعِب رقم 12 بل وكل اللاعبين في المَلعب وامْتَلأت جنبات المُجمع الرياضي باللون الأحمر، تعبيراً عن الوفاء والنّبض الدائم .. وما لَبِثَت أنْ جاءت البشائر مُبكراً بتسجيل الهدف الأول في الدقيقة 17 باخْتراق رهيب من اللاعب عبدالرحمن المشيفري، بتمريرة حريرية فَكّت شَفْرتها قدَمه لتجد طريقها إلى المَرمى الكويتي، ومرّت الدقائق سريعاً حتى جاء الهدف الذهبي من رأس مُحسن الغسّاني في الدقيقة 30 من الشوط الأول، حين سدّدها برأسه بطريقة وكأنهُ في جَلسة تدريبية وبكلّ ثقة وهُدوء أسْعد بها الجمهور الذي اهْتزت المُدرجات لهتافاته وفرحته.

وكما ابْتَدأ الشوط الأول قوياً فقد جاء الشوط الثاني أكثر قوة ونشاطاً، واسْتَمرت المُتعة التي بشّرنا بها الكابتن جابر، لِيُجْبِر بها كبوة الحصان الأسود .. فكانت الدقيقة 58 دقيقة حاسمة، حين أفْرَغ المشيفري ما في جُعبته، فكانت تسديدة الهدف الثالث وبطريقة اللاعبين الكبار في مَرمى الأزرق الكويتي ولكنّ الجمهور المُسْتمتع والمُنتشي لم يَكتفِ فكان له ما أراد وجاء الهدف الرابع لِيُكمل الفرحة  في الدقيقة 79 لتنتهي المُباراة برباعية نظيفة وتَمَنّيت أنا وكل الجُمهور العُماني أنْ تستمر تلك المُباراة لساعات أخرى من التألّق والإبْهار والفَن الفعّال.

خلاصة القول.. لقد كانت كلمة السِرّ للتغير الكبير في الأداء والتكتيك هو الكابتن رشيد جابر الذي كان يُعرف مُسْبقًا قُدرات لاعِبيه فأحْسَن توظيفها في المَلعب وأطْلق لِلّاعبين حُرّية اتخاذ القرارات حسب المَوقف التكتيكي والمَيداني وذلك كُل ما يَحتاجه اللاعِب العُماني الذي يَمتاز بالمَهارة واللياقة والحَماس على أعلى المُستويات وكل ما يحتاجه هو التفاهم المُتبادل مع المُدرب.

إنَّ فوز مُنتخبنا على مُنتخب الكويت كان الرد المُناسب على المُشككين بقدرات المُدرب الوطني وعقليته الاحترافية، فكانت رسالة الكابتن جابر لجمهوره "أنْ لا تخافوا على الأحمر فهو في حَدقات أعْيننا وفرحتكم أمانة في أعناقنا".

تعليق عبر الفيس بوك