هدر الطاقات بسبب فجوة اللغة

 

محمد بن درويش البلوشي

mdbalushi@outlook.com

 

 

يُعاني الطلبة في المرحلة الجامعية من إشكالية الانتقال من دراسة المُقررات باللغة العربية إلى دراستها باللغة الإنجليزية، وكان الحل لهذه الإشكالية سطحيًا؛ وذلك من خلال سنة تأسيسية باللغة الإنجليزية وكأنَّ سنة كفيلة بردم الفجوة والتكيف مع اللغة الأكاديمية الجديدة وفهم دهاليزها واستيعاب مصطلحاتها، إلّا أنَّ المشكلة تتجاوز السنة التأسيسية الجامعية إلى أزمة حقيقية في مسار تعليم واختيار اللغة في مختلف المراحل الدراسية والوظيفية للتسع الفجوة وحجم الهدر خاصة مع تطور المؤسسات ونموها.

وتبدأ مُشكلة تحديد اللغة منذ المرحلة الأولى للتعليم حيث يعيش أولياء الأمور في قلق اختيار أي اللغات أهم في تعليم الأبناء؟ وأي المدارس أفضل؟ هل يتعلم ابنهم في مدرسة خاصة تركز على اللغة الإنجليزية؟ أم مدرسة حكومية تُركز على اللغة العربية؟، وفي منتصف مسار التعليم المدرسي قد يُغير ولي الأمر تفكيره خوفاً من فقدان اللغة العربية أو رغبة في اكتساب اللغة الإنجليزية، تنتهي هذه المرحلة بتحديات لغوية جمَّة لينتقل الطالب إلى مرحلة جامعية يكون لكل مسار إنساني أو علمي في الجامعة أو الكلية لغته الخاصة والتي تتقاطع غالباً مع اللغة الأكاديمية التي اكتسبها في المدرسة، ليبدأ رحلة جديدة من مضاعفة الجهد وعدم الثقة في النفس لفهم واستيعاب المادة التعليمية، وبعد الحصول على شهادة التخرج الجامعية يبدأ فصل آخر من المُعاناة فالمؤسسات الحكومية والمجتمع تستخدم غالباً اللغة العربية، والشركات تتعامل باللغة الإنجليزية ليدخل مسار جديد من التناقض، وبلا شك أن التعليم لا يتوقف وقد يضطر الموظف إلى تطوير معارفه والدراسة مجددًا ويبقى الإشكال متواصلا فلغة العمل تختلف عن لغة الدراسة.

إنَّ هذه الإشكالية تسببت في هدر حقيقي متعدد الأبعاد ويُمكن سردها في الآتي:

1.    البعد المالي: تباين لغة الدراسة عبر المسارات التعليمية يضطر الطالب أو الموظف إلى الالتحاق بسنة تأسيسية أو برنامج تأهيلي في اللغة، أضف إلى ذلك احتياج المؤسسات إلى الترجمة للمهام اليومية كالمستندات القانونية وليست الترجمة العلمية المفيدة، وأيضًا عدم قدرة الطالب على الربط بين المصطلحات الأكاديمية في المدرسة وقرائنها في الجامعة.  

2.    البعد الزمني: يمضي الطالب اثنتي عشرة سنة في المدرسة وهو لا يتقن اللغة العربية بشكل جيِّد لاعتقاده أنها لغة غير مُهمة للعمل ويمضي بعدها خمس سنوات في تخصص جامعي يدرس باللغة الإنجليزية ويجد صعوبة في اسيتعاب مصطلحاتها ولا يستخدمها بعد التخرج، فتمضي كل هذه السنوات مليئة بالتخبط والتحول بين اللغات دون اكتساب معرفة تراكمية صلبة.

3.    البعد المعرفي: يُواجه الطلبة صعوبة في التفكير النقدي والتعبير عن رأيهم في المواضيع بلغة سليمة، وعدم قدرتهم على استيعاب مصطلحات اللغة الجديدة، مما يُؤثر على قدراتهم الإبداعية.

4.    فقدان الكفاءات: يُؤدي تغيير اللغة إلى انسحاب بعض الطلبة من الجامعات أو العمل في مؤسسات تتعامل مع لغتهم الأم أو اللغة التي يجيدونها.

5.    انقسام مجتمعي: يؤدي التركيز على إحدى اللغتين إلى وجود انشطار في رؤية الأسر للتعليم فهناك فئات تجيد اللغة العربية وأخرى الإنجليزية وأخرى بين هذا وذاك.

وختامًا.. إنَّ إشكالية الانتقال في التعليم بين اللغتين العربية والإنجليزية لا يقتصر على تحديات مرحلية أو زمنية قصيرة الأمد، بل هي مسألة مُعقدة تمتد عبر مراحل التعليم المختلفة، لذلك يجب أن تكون هناك وقفة من الجميع لوقف الهدر الكبير للطاقات على المستوى المالي، والزمني، والمعرفي، والذي يؤدي إلى فقدان الكفاءات وضبابية الخيارات لدى الوالدين والطلاب، لذا من الأهمية بمكان على صناع القرار إعادة النظر ودراسة السياسات التعليمية المتبعة بهدف تحديد اللغة المستخدمة وتقليل الفجوات التي يواجهها كل من الطلبة والمؤسسات والمجتمع، خاصة وأن اللغة هي ضمير الأمة وهو ما يعكس حرص مُعظم دول العالم على التوظيف المتكامل في كل شؤون الحياة للغة الرسمية المتعمدة فيها.

تعليق عبر الفيس بوك