المُضْحِك.. المُخْزِي!

 

فاطمة اليمانية

"الآخرون كانوا مجرّد ندوب، أنتَ كُنتَ الطعنة!" (لقائلها)

*******

إنّها الساعة الفارغة بتوقيت مزاجي!

ومن حقّي الادّعاء بأنّي اخترعتُ ساعةً زمنية تخصّني! ولي جائزتي المستحقّة على براءةِ اختراعي! من جيبي، ومن حرّ مالي!

ولي حق الكذب على نفسي؛ وتوّهمي بأني أنجزت أعمالًا عظيمة! لم أقمْ بها مطلقًا!

لا أحد له شأنٌ بي... ما دامت القصّة قصّتي!

وسوف أنشرها على نطاقٍ ضيق لا يتجاوز المحيط المقرّب منّي! وهُمَا:

  • أنا... وظّلي!

وكما تخدم "الصدفة" بعض المجانين؛ فلا بد أنّ الصدفة ستخدمني يومًا ما؛ ليكون لي أتباعًا! كما حدث مع "مسيلمة الكّذاب"، و"سجاح"!

وبما أنّ "سجاح" موجودة؛ فلا بدّ أنّ مُسيلمة آتٍ لا محالة!

***

(زوجة السياسي)

التقيتُ بها صدفة في منزل إحدى الصديقات... تحدثنا عن أشياء كثيرة:

  • المدارس، المناهج، المطابخ! وعن ارتفاع الأسعار، وهروب العاملات!

لكنّها كانت تربط أي موضوع بالسياسة، والمؤامرة الكونية! وتتحدث بثقة مراسلي قنوات الأخبار، الذين ينقلون الحدث من على الهواء مباشرة!

فطلبتُ منها الابتعاد عن السياسة التي أعترفُ بأنّني لا أحب الخوض فيها!

لأنّ فاقد المعرفة يبدو أحمقًا، وهو يجادل في أمرٍ لا يفهمه! ولا يدرك حقيقته!

إلّا أنّها واصَلت حديثها، عن الحروب، عن القتلى، وليتها توقّفت! بل استمرت في استمراء ما تتناقله إحدى القنوات العربية المشهورة بدجلها! وأخذت تدّعي أنّ الطاولة سَتُقلب! وبأنّ الكلب الذليل سيتم دهسه، والقضاء عليه!

واختلفتُ معها حول "الكلب"؟ من تقصد بالكلب؟! وقلتُ لها:

  • حدّدي... أيّهما الكلب؟!

فنطَقَت باسمه، لكنّني نبهتها إلى أنّ الآخر ليس آدميًا أيضًا! بل كلبًا آخر... وجرائمه موثوقة بالصوت والصورة!

طبعًا لم يَرق لها رأيي، واعتبرتني تجاوزتُ حدودي، ولمحت سحابة من دخان تحلّق فوق رأسها! وحتى تهدئ من روعها؛ ناولتها فنجان قهوة، ونصحتها بأنْ تضبط أعصابها... كما يفعل معظم المجرمين الذين يرتدون رداء الدبلوماسية سواء كانوا بلحىً، أو عمائم أو بدلات أنيقة فاخرة!

 

***

 

(عودة سجاح ومسيلمة)!

 

استضافت إحدى القنوات الإخبارية "مسيلمة" ودعاهم للدخولِ في دينه الجديد! وأوضح محاولة أعدائه الفاشلة في طمسِ وتشويهِ سمعته، وبأنّهم نسبوا له آيات لم يقلها من الأساس! وكل ما تمّ تداوله بين الناس؛ ليس إلّا ادّعاءات كاذبة! وإذا أردوا الحقيقة؛ فلا بدّ من أخذها من مصدرها! منه هو شخصيًّا!

والحقُ يُقَال بأنّ سجاح عندما شاهدت اللقاء معه، ازداد إعجابها به، وبثقته بنفسه! وبقدرته على تصديق أكاذيبه!

والجميل في علاقتهما أنّهما كذبا نفس الكذبة، وصدّقاها بنفس الدرجة!!  وقد يحدث أن يختلفا في تأليف آيةٍ أو اثنتين؛ لكنّهما لا يطيلا الخلاف؛ بل يقتسمان الآيات، ويوزعانها بينهما! بكلِ أريحية وودٍ، ودعمٍ للقضية التي يُقاتلان الجميع من أجلها!

قضية:

  • إثبات النبوة... وأنّهما صاحبا رسالةٍ ودين!

 

***

(حتّى مسيلمة يتأثّر!)

 

يُقَال بأنّ عددا من الثّوار تسلّلوا إلى بلدة مسيلمة وسجاح، واقتحموا الخيام ليلًا، وقتلوا الأطفال فقط! وفي صباح اليوم التالي، حملت الأمّهات المفجوعات جثث أطفالهن، وأسجين الجثث أمام خباء مسيلمة وسجاح! وطلبَن منهما مباركة الجثث قبل الدفن! وعندما شاهدت سجاح الجثث صرخَت من هول الصدمة؛ فوضع مسيلمة يده على فمها، وقال زاجرًا:

  • النبيّات لا يجزعن... زغردي! إنّهم طيور الجنة!

قالت إحدى الأمّهات، وهي ساخطة على مسيلمة:

  • لم ننجبهم للجنّة! ما زالوا صغارًا!
  • كافرة! اقتلوها!

فأخرستها طعنة ألحقتها بطفلها!

 

***

 

(الهروب المُبَارَك)

 

قال لها:

  • احملي أثمنَ ما لديك يا سجاح... واهربي! ستجدين من ينتظرك على مشارف البلدة، وسيرافقك إلى قصرٍ آمنٍ؛ تعيشين فيه بقيّة حياتك في سلام ورفاهية!

فأمرت سجاح جواريها بالذهاب معها... لكن مسيلمة اعترَض طريقها قائلًا:

  • الجواري لي! اذهبي لوحدك!
  • ماذا لو قُتِلْنَ معك؟
  • افضل لي طبعًا! لأنّهن اعتدن على طبيعتي، فلماذا أستبدلهن بأخريات! وأضطرّ إلى تعليمهن من جديد... ما أحب؟! وما أكره؟! وإذا هُزِمتُ وقُتلنا... سنموت معًا جميعًا! وسندخل الجنّة زمرة واحدة!
  • إذا سأبقى معك!... سأموت معك!
  • ومن سيواصل الدجل مستقبلًا؟!

نظرت له بازدراء، وشعرت برغبة في قتله، لكنّها تمالكت نفسها، وقالت له مودّعة:

  • إلى الجحيم... قاتلك الله!

ولم يمضِ وقت طويل؛ حتى هجم عليه الثوّار، ومزّقوا أشلاءه... وأخذوا الجواري سبايا لهم!

***

                                                                              

(الأرملة الطروب)!

 

وصلت سجاح إلى قصرها المنيف... ولم تمض ساعة حتّى حطّت حمامة على شرفة القصر، حاملة رسالة تخبرها بموت مسيلمة!

قرأت الرسالة مرّة ثانية... وأخذت تفكر في الطريقة التي يجب أنْ تتصرف بها؟ وكيف تبكي وتلطم وتولول؟!

فلا بد أنْ يعرف الجميع أنّها فُجِعَت بموت زوجها! ماذا لو كان نبيَّا؟! وله مكانته، ووجاهته؟!

لكنّها ستؤجل النواح إلى أنْ يصل وفدُ المعزّين، فما الداعي لهدر الدموع الآن؟!

ثم تذكرت صلابته أمام جثث الأطفال، عندما كتم أنفاسها، وقال لها:

  • زغردي... طيور الجنّة!

 

حاولت إطلاق الزغاريد وشعرت بألم في حنجرتها! ثم لماذا تزغرد؟ فلا عيون ستلتقط الزغاريد!

وستوفر الزغاريد كما وفّرت الدموع؛ حتى يصل حشد المعزّين... ولا بدّ لها من تجهيز خطبة عصماء عند مرتين تأبينه!

لكن ماذا ستقول؟! هل ستتحدث عن نبوته؟ عن دجله؟ أو الجواري اللواتي احتفظ بهن في لحظاته الأخيرة؟ عن أمواله المدفونة؟ التي لا يعرف أحد مكانها؟ عن خيانته؟ وارتداده عن الدين؟! وعن الآيات التي كان يؤلفها؟ وتذكرت بعض الآيات وضحكت من ركاكة الجمل المسجوعة، وضحالة معناها! خاصّة ما قاله عن الضفدعة:

"نَقنقي ما تنقنقين، أعلاكِ في الماء وأسفلكِ في الطين!"

لكن ضحكاتها تلاشت؛ لأنّها أحسّت بالتقزّز منه، ومن نفسها! وتحولت دموع الضحك الساخرة، إلى دموع حارقة مليئة بالخزي والعار!