الطليعة الشحرية
السُّمعة والثقة قوام أي مُنتج في خضم هذا الحشد الضخم من المنتجات المتشابهة والمقلدة، فماذا يحدث عند انهيار تلك الثقة؟ هل سيشتري المُستهلك منتجًا قادرًا على اغتياله؟
قفزت الحرب الهجينة قفزة نوعية بعد اختراق أجهزة الاتصالات "البيجر" واللاسلكية لعناصر من حزب الله، التي راح ضحيتها العديد من المدنيين. استخدم نتنياهو في محاولته الفاشلة لتوسيع الحرب وتوسيع الجبهات المشتعلة تكتيكات هجينة غير تقليدية وغير المألوفة، انتهى به الأمر إلى تسديد لكمة قاضية لحليفته الأولى الولايات المتحدة الأمريكية سوق التكنولوجيا.
قد تستخدم الأنظمة في هجماتها الإلكترونية التكتيكات الهجينة كنشر المعلومات الكاذبة والضغط الاقتصادي والدعاية والتخريب وتستعمل في هذه الحروب القوات غير النظامية، مثل الجنود الذين يرتدون زيًا عسكريًا بلا رتب.
أثار اختراق أجهزة الاتصالات اللاسلكية و"البيجر"، التي تحمل علامة تجارية لشركات آسيوية، بحثًا مُكثفًا عن مسار هذه الأجهزة، مما كشف عن سوق غامضة لهذه الأجهزة، وسلطت ردود فعل الشركات التي ارتبطت أسماؤها بالأجهزة المفخخة، الضوء على صعوبة تحديد طريقة وتوقيت تفخيخها وتحويلها إلى أسلحة.
ألقت شركة "جولد أبوللو"- ومقرها تايوان- المسؤولية على شركة في أوروبا استخدمت العلامة التجارية للشركة التايوانية، بينما أفادت شركة "آيكوم" اليابانية أنها لا تستطيع تحديد ما إذا كانت أجهزة الاتصال اللاسلكية التي تحمل اسمها أصلية؛ لأنَّ السوق مليئة بالمنتجات المقلدة.
إنَّ سهولة اختراق سلاسل التوريد وتفخيخ الأجهزة تكشف عن مستوى من الخيانات والاختراقات غير المسبوقة لحزب الله وإيران، ويثير التساؤلات عن الخفايا التي لفت سلسلة من الاغتيالات السابقة لقادة في الحرس الثوري وسقوط طائرة الرئيس الإيراني واغتيال إسماعيل هنية، والغارة الجوية على ضاحية بيروت الجنوبية التي تسببت باغتيال إبراهيم عقيل قائد وحدة الرضوان والذي تخفى طوال 40 عامًا.
هل كل تلك الحوادث ناجمة عن اختراق وتفخيخ سلاسل التوريد لمدة خمسة أشهر؟ وإن فرضنا جدلًا بأن الكيان اللقيط يمكنه العيش في مُحيط لا ولن يتقبله، فكيف لم يستطع معرفة توقيت الطوفان في 7 أكتوبر؟ المسألة أكثر تعقيدًا والخيانات وصلت إلى رأس الهرم.
لم يكن اختراق سلاسل التوريد هو الأول إذ سبقه هجوم سيبراني من عملاء أمريكيا وإسرائيل عُرف بهجوم "ستوكسنت". استهدف الهجوم البرنامج النووي الإيراني، وظنَّ الجواسيس أنهم قادرون على إلحاق أضرار جسيمة بقدرة إيران وإبطاء برنامجها النووي، ولكن سرعان ما عادت إيران إلى تطوير برنامجها النووي لتصبح قدراته أكبر.
قد يُنظر إلى موضوع الهجمات الإلكترونية على أنها سلوك إجرامي وقد تستخدم الهجمات للتجسس على الحكومات والشركات، إلّا أنَّ تفخيخ الأجهزة الإلكترونية بكميات من المواد المتفجرة والتحكم بها عن بعد هو قفزة إرهابية قذرة وبحصانة غربية وأمريكية. وعلى الرغم من استنكار ذوي الضمير أساليب الحرب الهجينة للكيان المحتل إلا أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة تدعو الجميع لضبط النفس.
الشرق الأوسط هو أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، لأننا نستهلك ونستورد كل شيء، بدءا من المتطلبات الضرورية للحياة كالغذاء والتعليم، وانتهاءً بالترفيه، فنحن غير قادرين على إنتاج وسائل ترفيهيه تتناسب مع ثقافتنا ومُعتقدتنا.
تحول الشرق الأوسط إلى أضخم آلة نسخ في العالم لديها القدرة على نسخ القوالب الغربية المُعدة بعناية فائقة مغمسة بالحريات العصرية، الاختراق لم يكن وليد اللحظة لقد تم الاختراق منذ ما يزيد على قرن من الزمن.
كشفت أحداث بيروت سهولة اختراق سلسلة التوريد والتلاعب بها، ناهيك عن أنَّ كل الأجهزة المحمولة من هواتف وكمبيوترات الحديثة تحتوي خاصية تتبع، فيسهل الرصد وتحديد الموقع والاغتيال، دون الحاجة إلى رصاصة أو سلاح.
ألا يجدر بأكبر سوق مستهلك يمتلك مُقدرات تحويل القوة المالية الضخمة لإنشاء شبكات توصيل وخوادم إنترنت وأقمار صناعية خاصة لا يسهل التحكم بها أو التلاعب بها؟ فالحروب القادمة مصدرها وقوتها هي المعلومات.
فيما مضى حاولت أوكرانيا باقتراحها على منظمتي الإنترنت الدوليتين مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة المعروفة باختصار (ICANN) ومركز تنسيق شبكة الإنترنت المعروفة بـ (RIPE NCC) إزالة المجالات الروسية من الإنترنت وإزالة خوادم الجذر الخاصة بهما.
لو تمَّ إنشاء منظمة إنترنت وشبكات إنترنت بأقمار صناعية وخوادم جذرية لقارتي آسيا وأفريقيا، سيخلق بذلك قوة وتدفقاً بالمعلومات لا يسهل التلاعب بها بسهولة.
إن عمليات الاختراق والهجوم عبر البرامج الثابتة ليس بجديد؛ حيث يعمل المهاجمون على إدخال برمجية خبيثة على الحاسوب أو الهاتف المحمول، وهذا ما يتطلّب ثواني قليلة وأشهر تلك البرامج "بيجاسوس" الإسرائيلي، والتي ذهب ضحيتها العديد الصحفيين والنشطاء. واليوم تتوسع عمليات الاختراق لتصل إلى سلاسل التوريد واغتال العشرات وفي أماكن متفرقة بنفس التوقيت.
لا يمكن لعاقل أن ينفي أن الحروب القادمة هي حروب إلكترونية وسيبرانية، فماذا نحن صانعون؟
جميعنا يحمل قنبلة موقوتة وجميعنا مخترقون ومكشوفون على شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي ويسهل إيجاد موقعنا، فكلنا نحمل جهاز اتصال وجهازا لوحيا محمولا بلد المنشأ أمريكيا أو أوروبا، فماذا إذا ما انفجر في وجه أحدهم هاتفه واقتلعت عينيه، فمن الملام؟ وفي حال تسميم غذائك والتلاعب بشرابك فما العمل؟
كل ما صنعه نتنياهو بمُغامرته الهجينة هو اغتيال لسمعة وثقة المستهلك بالصناعة التكنولوجية العالمية والتي تُهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية والشركات الغربية، فكل الأجهزة الكهربائية قد يتم التلاعب بها إما بتنصيب تطبيق خبيث أو التلاعب بسلاسل التوريد والتفخيخ.
سددت إسرائيل الضربة القاضية للأسواق الغربية وعلينا اقتناص الفرص وتعزيز وضخ رؤوس أموال في أسواق آسيا التكنولوجية؛ فالتنين الصيني قادم لا محالة.