أصحاب "السُترات الخضراء" والوعي البيئي

 

سالم الكثيري

 

كمتابعٍ للشأن البيئي مُنذ سنوات، لاحظتُ الوعي الذي وصل إليه المجتمع في أهمية الحفاظ على الطبيعة بكل مكوناتها، وإذا أخذنا محافظة ظفار نموذجًا لهذا الوعي، فلا يخفى على أي مِنَّا ما كانت تتعرض له المساحات الخضراء في السهول والجبال في كل موسم خريف من تأثر بالغ بسبب حركة السيارات في الطرق العشوائية، والتفحيط، ورمي المخلفات من قبل بعض المُستهترين، وما يصاحب كل ذلك من تصرفات مُضرَّة بالبيئة، ثم ما يلحق بها من ضرر في بداية الربيع عندما يتزاحم المُرتادون من أبناء المحافظة دون غيرهم على منطقة القطن والتي تعد جبجات أبرز مثال عليها.

المهتم بهذا الشأن يُلاحظ أن جهودًا فردية كانت تبذل من قبل بعض المهتمين لسنوات طويلة إلى أن بدأت تأخذ شكلا تنظيميا في العقد الأخير وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتي ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة أضعاف أضعاف جهود فرد أو مجموعة لا تلبث أن تعجز عن الاستمرار في جهدها وسط زحام الخريف أو حتى الربيع .ومع الأيام أخذت هذه الجهود الفردية تتشكل في فرق أهلية في كل ولايات المحافظة أو في جمعية صون الطبيعة قيد التأسيس لتقديم ما يمكن تقديمه للحفاظ على البيئة. وقد أتت هذه الجهود أكلها بشكل ملحوظ، مع ما ساندها من غطاء قانوني بقيام الجهات المختصة بعقوبة المخالفين ونشر مخالفاتهم إعلاميًا؛ الأمر الذي أدى مع الوقت إلى زيادة الوعي لدى الأكثرية وخوف القلة المستهزئه من المعاقبة ولتتحسن النتيجة في المحافظة على الطبيعة سنة بعد سنة بوضوح.

ومنذ 3 أعوام أعلنت جمعية صون الطبيعة عن مبادرة "وعي"، والتي نَفّذت من خلالها الكثير من الأعمال والمناشط البيئية بالتنسيق والتعاون مع مختلف الجهات ذات العلاقة وخاصة هيئة البيئة والمديرية العامة للثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وبلدية ظفار، والتي كان لها الأثر الطيب على أرض الواقع ولازالت هذه المبادرة مستمرة للعام الثالث على التوالي؛ حيث يقرأ أحدنا بين الفينة والأخرى خبرًا أو يتابع تقريرًا أو يقابل متطوعين بيئيين من مختلف الأعمار والوظائف والاهتمامات بسُتراتهم الخضراء يقومون بشق طريق أو اقتلاع أشجار أو نبات غازٍ أو تنظيف عين ماء أو شاطئ أو مكافحة طائر مُخرِّب أو حشرة تفتك بالأشجار البرية المُعمِّرة، كل هؤلاء لم يجمعهم إلّا حُب أرضهم وبيئتهم، وهذا على الشق المجتمعي.

أما على الشق المؤسسي، فيُمكننا القول إنَّ الدولة تولي قضية البيئة اهتمامًا خاصًا من حيث وضع التشريعات والقوانين؛ تماشيًا مع التوجه العالمي في معالجة ظاهرة التصحُّر والتغير المناخي وتقليل الانبعاثات السامة والاحتباس الحراري، وصولًا إلى مشاريع الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى أن الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني؛ بل وحتى القطاع الخاص بات على استعداد تام للتعاون مع الجمعيات والفرق البيئية المختلفة ودعمها ماليًا وإداريًا؛ حيث يتبين يومًا بعد يوم تجاوب الجهات المختلفة مع مُقترحاتها، والمشاركة في تنفيذها ميدانيًا؛ كونها جهودًا وطنية تهدف في نهاية الأمر إلى حفظ البيئة وصون الطبيعة وليس إلى أي شيء آخر.

ولاكتمال هذه الجهود، تبقى مسألة منح هذه الجمعية التطوعية أو تلك الترخيص القانوني؛ لإيجاد المُمَكِّن الأقوى لاستدامتها والقيام بأعمالها بشكل أكثر مرونة وسهولة، وفتح باب الانتساب لعضويتها لكافة أبناء المُجتمع، فمهما قامت الجهات الرسمية بدورها- وهو أمر أصبح واضحًا وبات أكثر جدية من ذي قبل دون شك- يظلُ المجتمع هو القاعدة الصلبة التي يُمكن أن تقوم عليها أية أعمال طويلة الأمد، خاصةً إذا بات المجتمع هو المُبادِر والمُتخصِّص والأكثر وعيًا بقضية البيئة، بدلًا من أن يكون طرفًا سلبيًا فيها.

تعليق عبر الفيس بوك