مركز القبول الموحد وطلبة الدبلوم العام إلى أين؟ (1- 3)

 

 

أُمامة بنت مصطفى اللواتية

 

مع ظهور نتائج الدبلوم العالي، والإعلان عن المنح والبعثات الخارجية والداخلية، تبادرت إلى ذهني مجموعة من التساؤلات حول انعكاسات النظام الحالي المُتمثل في مركز القبول الموحد التابع لوزارة التعليم العالي في تنظيم قبول طلبة الدبلوم العام في مؤسسات التعليم العالي، وآثار ذلك على مسار الطالب الأكاديمي والمهني المستقبلي؛ بل وأثر ذلك على الخبرات والكفاءات المُستقبلية التي تحتاج لها البلاد.

يُواجه طلبة الدبلوم العام ومنذ سنوات حالة مُتفردة ربما خليجيًا في الحصول على فرص ملائمة لإكمال التعليم العالي من خلال فرض النسب العالية التي تؤهل الطالب للتنافس على المقاعد الدراسية، والطريقة التي يُنظم بها القبول في هذه المقاعد؛ إذ يُضَيّق النظام الحالي لمركز القبول الموحد على اختيارات الطلبة من التخصصات والمؤسسات التي يرغبون الالتحاق بها، وما يترتب عليه ذلك من التخطيط السليم لمستقبلهم، ويصبح معه الاهتمام مُنصبًّا على ضمان مقعد دراسي بغض النظر عن التخصص والمؤسسة التي يرغب الطالب في الالتحاق بها، حتى لو كان من الحاصلين على نسبة مرتفعة. فضلًا عن أن ذلك يُجبر الطلبة الحاصلين على نسب جيِّدة- حتى لو لم تكن شبه نهائية- إلى القبول بخيارات متواضعة جدًا، وأحيانًا يتركهم حتى بلا خيارات. أما فكرة العشرين اختيارًا للتخصصات والمؤسسات التي يقدمها المركز على أنه إجراء إيجابي، فإنِّه في الواقع يُفاقم من المشكلة أكثر فأكثر. وهذا يقودنا إلى أمرٍ آخر وهو انخفاض عدد البعثات والمنح الخارجية مع عدم كفاية مُؤسسات التعليم العالي الداخلية لاستيعاب الطلبة الذين حققوا نسبًا تُعد جيدة بالمقاييس الإقليمية، وهي التي تتراوح بين 80-90%، وهنا نتحدث عن الاستيعاب من ناحية الكم والكيف.

يُمكن أن نناقش التساؤلات السابقة بمزيد من التوضيح؛ حيث يتعلق التساؤل الأول بأهداف التعليم العالي في سلطنة عُمان وفلسفته. وحسب موقع وزارة التعليم العالي والابتكار فإنَّ هناك تأكيدًا مُتكررًا على أنَّ "النظام التعليمي الذي يتسم بالجودة العالية"، و"نظام متكامل ومستقل.. وفق المعايير الوطنية والعالمية" و"كفاءات وطنية ذات قدرات ومهارات ديناميكية منافسة محليًا وعالميًا". والتساؤل هنا: كم عدد مؤسسات التعليم العالي العُماني ذات الكفاءة والتقييم العالمي أو حتى الإقليمي؟

وباستثناء جامعة السلطان قابوس وعدد محدود جدًا من الجامعات الخاصة، فإنَّ بعض الأسر والطلبة يبدون شكوكهم تجاه مؤهلات بقية المؤسسات التعليمية، وجودة برامجها وقدرتها على مساعدة الخريجين على المنافسة في سوق العمل. ورغم أن 17 جامعة وكلية فقط من أصل 27 مؤسسة تعليم عالٍ، تمكَّنت من الحصول على الاعتماد المؤسسي من الهيئة العُمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، إلّا أنه ما يزال لدينا شوط طويل بعض الشيء لتحقيق الاعتماد الأكاديمي فيما يتعلق بالبرامج التخصصية التي تقدمها هذه المؤسسات التعليمية في فروعها المختلفة ومدى موائمة مناهجها مع المؤهلات والشهادات التي تمنحها هذه المؤسسات.

وإذا ما أتينا إلى تصنيف "كيو إس" العالمي الخاص بتصنيف الجامعات حول العالم في 3 محاور؛ هي: الاستدامة ونتائج التوظيف وشبكة الأبحاث العلمية، وفق نتائج النسخة العاشرة للجامعات على المستوى الدولي لعام 2024، نجد أن جامعة السلطان قابوس هي المؤسسة العُمانية الوحيدة المُصنَّفة فيه، ومع أن هناك 6 جامعات عُمانية دخلت ضمن تصنيف الجامعات الخاصة بالمنطقة العربية، إلّا أن مراكزها مُتواضِعة مقارنةً بجامعات عربية أخرى، ولم تدخل ضمن التصنيف العالمي، الذي نجح عددٌ من الجامعات الخليجية في التواجد فيه. وهو ما يعني أنَّ لدينا مؤسسة واحدة فقط من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة إجمالًا وجدت لها مكانًا في هذا التصنيف العالمي؛ أي أن هناك 8 جامعات أخرى في المُجمل لا مكان لها في التصنيف العالمي. وما يزيد عن 20 مؤسسة تعليم عالٍ حكومية وخاصة وما بين جامعة وكلية لم تدخل حتى في تصنيف الجامعات العربية ضمن المقياس السابق!

هل نلوم الأسر الطموحة لأنها ترغب لأبنائها المتفوقين بمستوى تعليم جامعي يتمتع بسمعة إقليمية عالية على الأقل إن لم تكن عالمية؟ ألا يستحق هؤلاء الطلبة المتفوقون فرصًا تعليمية في مؤسسات تعليمية ذات أداء أكاديمي عالٍ ومُخرجات ذات سمعة معترف بها؟

وكيف يُمكننا في هذه الحالة أن نُقنع الأسر والطلبة بالوثوق بجميع مؤسسات التعليم العالي في البلد؟ وكيف يمكننا أن نلومهم على رغبتهم في اختيار المؤسسة الأفضل لأبنائهم خاصة إذا كانوا من المتفوقين؟ وكيف يُمكننا أن نزرع الثقة في نفوس الأسر والطلبة بأنَّ المؤسسة التي التحقوا بها رغبة أو اضطرارا هي بالفعل تتمتع بالمعايير التي أشارت إليها وزارة التعليم العالي في موقعها؟ هل الطالب مخطئ لأنه يطمح إلى أن يكون طالبًا في مؤسسات متميزة تحقق له المنافسة المطلوبة في سوق عمل متذبذب ومؤسسات حكومية تتوجه نحو التوظيف بعقود مُؤقتة؟ وهل سيكون هذا الطالب بعد تخرجه في مؤسسات متواضعة قادرًا على المنافسة لفرص عمل في دول أخرى لا سيما مع قلة الفرص التوظيفية المتوفرة داخل البلد؟ وهل من المنطقي أن نقسو على الطالب المتفوِّق أصلًا، ونطالبه بالحصول على ما يتجاوز 97% حتى يضمن له تخصصًا ومؤسسة تعليم عالٍ ذات كفاءة تؤهله للحصول على تعليم في مؤسسة محددة محلية أو دولية هي الأفضل أو من بين الأفضل في مجال تخصصه؟

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة