العدالة في التوظيف

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

حينما نتطرق لموضوع التوظيف نشعر بمسؤوليتنا تجاه وطننا لأنَّ المسألة ليست مسألة إيجاد وسيلة دخل لشباب اجتهدوا في دراساتهم أو أنهم كبروا بما فيه الكفاية ليستشعروا الاستقلال المادي عن الأسرة فقط؛ بل يمثل الأمر مستقبلا قادما لهم، والأمر يبتعد ليمثل مستقبل البلاد كلها، ولا نريد هنا أن نكرر حديثاً عن مساوئ ترك هؤلاء الشباب بتخصصاتهم المختلفة للزمن فلا تستفيد البلاد من تخصصاتهم بعد الموازنات الضخمة لتعليمهم. إن جعلهم بين جدران المنزل أو أن يعملوا كوافدين في دول أخرى أمر لا يقبله عقل ونشعر من خلاله بعدم وجود أطر واستراتيجيات. الحقيقة أن الأمر يتعلق بالأمن، أمن الأسرة وأمن البلاد.

يصل أمر الباحثين عن عمل إلى تغير الأفكار والمبادئ التي تؤثر على الأسرة وتأثر الأقران بأقرانهم في المجتمع الواحد، ولعل الحاذق منَّا يعلم أن العديد من هذه الأفكار تشكل خطرًا يهدد كيان الأسرة وربما المجتمع وهي انعكاس لحالة الفراغ والتوهان وربما غياب العدالة الذي يعانيه خريج الطب، والهندسة، وإدارة الأعمال والمحاسبة وغيرها بينما في المقابل لا يتوقف توظيف الأجنبي في جميع المجالات، وهو أمر غريب.

إعلانات التوظيف الخارجية مستمرة، وتوظيف الشباب غير العُماني مستمر، وليس أدل من هذا الأمر من الأحاديث المباشرة التي يتصادف معها شبابنا بين يوم وآخر وينشرها بصفحات التواصل، أو تلك الإحصائيات التي تخرج من المؤسسات الرسمية عن الزيادة في العمالة الوافدة بين سنة وأخرى، فكما تشير هذه الإحصائيات إلى وجود أكثر من مليون وثمانمائة ألف وافد بمختلف القطاعات والفئات حتى نهاية أبريل 2024، وبلغت نسبة الزيادة في شهر مايو من نفس العام 1.1%، بينما كان العدد أقل من ذلك في سنوات سابقة حيث بلغت عام 2022 أكثر من مليون وسبعمائة ألف وافد.

هذه الزيادة مستمرة في ظل معاناة المواطن للبحث عن عمل ولأسباب مختلفة تقل بنسبة بسيطة جدا في بعض السنوات، لكنها تتراوح فوق المليون والنصف بكثير، وهذا يدل على النمو الاقتصادي المتنامي الذي يستحوذ عليه الأجنبي في مقابل المواطن الباحث عن عمل ليسد به حاجته، وهو عدد كبير جدا لشعب عدد الباحثين فيه قليل بمقياس اقتصاديات البلدان الناهضة حيث بلغ أكثر من 100 ألف حسب إحصائية الشهور الأولى من عام 2023، والعدد يتزايد بزيادة الخريجين الأحدث في كل عام.

ندرك تمامًا أن وظائف هذه العمالة تتفاوت بين فنية اختصاصية وإدارية ومهنية مختلفة لكن الوظائف التي تناسب العمانيين الخريجين منهم أو الأقل تعليما تفوق بكثير وتستوعب جميع الأعداد الموجودة والباحثة عن عمل.

لم يكن موضوع الباحثين عن عمل مؤرق كهذا الوقت في ظل استمرار قطاع الأعمال استجلاب عمالة وافدة في تخصصات متوفرة لدى المواطن وهنا المعضلة الكبرى، حيث تعمل البلدان على استجلاب الخبرات الخارجية لعدم توفرها أو لندرة التخصصات ودقتها، وهنا يستحيل هذا الأمر لأسباب عدة أهمها منظومة القطاع الخاص، وعدم وجود حزم قانوني في ضوابط الاستثمار.

هنا نحتاج إلى وقفة وطنية حازمة فمن جانب ضرورة توعية المواطن بأهمية تقبل العمل الدائم بالقطاع الخاص حسب الظروف ونظام العمل المطلوب، وفي الجانب الآخر تأمين الوظيفة له خصوصا إذا كان ملتزما بمهامه دون نقصان؛ فلا يجد نفسه مسرحا في أي وقت وعلى رجال الأعمال تغليب المصلحة الوطنية قبل الخاصة.

ولا بأس من خلق وظائف حكومية جديدة تقتضيها الحالة الأمنية، ففي يوم ما قادنا الحديث مع أحد الأصدقاء لضرورة تكوين فرق محلية متجولة حسب كل منطقة جغرافية كمراقبين أمنيين للشواطئ الطويلة في السلطنة أو حتى الجبال ولا يُكتفى بعمل الجهات الحالية في هذا الجانب، لما نراه من كثرة التجاوزات وتنوعها على الشواطئ خصوصا، ودخول الوافد غير النظامي الذي يشكل خطرا جسيما على البلاد بشكل عام.

لقد اقتضت الضرورة مسبقا استقدام الأيدي العاملة الوافدة في مختلف قطاعات العمل، وتقتضي الضرورة حاليا توظيف العمالة الوطنية مهما كانت مواصفاتها، وعلى المستثمر أن يدرك أن أبناء البلاد أولى في ذلك إلا في حال عدم تواجد التخصص، ومن واجبه الأساسي تدريبه وتنمية قدراته.

كذلك فإنه يستوجب تفعيل مبدأ العدالة الاجتماعية في انتقاء الموظفين الجدد في القطاعات المختلفة، لأن ما نراه وما نلمسه كآباء وأفراد في هذا المجتمع مزعج وغير صحي؛ ففي الوقت الذي يستوجب على الخريج الجديد من الباحثين عن عمل انتظار دور الموافقة للانخراط في المقابلات وغيرها بسبب حداثة التخرج، نجد في المقابل من تنتظره الوظيفة فور تخرجه، بالإضافة إلى غياب العدالة في التوظيف بشكل عام وهي معضلة أخرى يستوجب الوقوف معها بحزم.       

تعليق عبر الفيس بوك