حُلم الملايين!

 

حمد الناصري

 

بعدما انتهت العبودية وبدأت الشعوب المُستضعفة ترى بصيص الحرية، أطلّت علينا أشكال جديدة وقديمة مِمّا يُسمى بـ"العبودية الحديثة"، تم تعليبها بمصطلحات كقوانين الهجرة وقوانين مكافحة الإرهاب وحتى تحت مُسميات معاهدات حماية المرأة والطفل!

يقول الدكتور مونتي داتا أستاذ العلوم السياسية في جامعة ريتشموند في الولايات المتحدة، والناشط المُناهض للعبودية إنّ جوهر العبودية هو: "استغلال الأشخاص المُستضعفين بشكل عام لتحقيق مكاسب اقتصادية". وفي مقال نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" يقول الدكتور داتا إن الهند ربما تكون أسوأ بلد في هذا المجال، مضيفًا: "إن مصدر القلق الأكبر هناك هو استخدام السُخرة في أماكن مثل أفران الطوب وعمالة الأطفال".

ولا تزال العبودية في مجتمعاتنا حاضرة ولها آثار نفسية وأضرار مجتمعية، وقد نهى عنها الإسلام وحرمها.

وقد أثير مُؤخرًا جدلًا واسعًا حول حالة فردية، صُوٍّرت كفيلم درامي من قبل السينما الهندية وبدعم من شركة نتفليكس المعروفة بتوجهاتها المُضادة للإسلام وهي قصة "حياة الماعز"!!

والعمل عبارة عن فيلم يتناول قصة عامل هندي تُساء مُعاملته من قبل كفيله الخليجي المُسلم وفي سيناريو الفيلم تحامُل كبير على العرب خصوصًا وعلى المُسلمين عمومًا.

وحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الخارجية الهندية يُوجد أكثر من 9 ملايين هندي يعملون في دول الخليج العربي وحدها، وتُشكِّل تلك الدول أكبر حاضنة في العالم للعمالة الهندية وكلهم بلا استثناء يعيشون ظروفًا أفضل بعشرات المرّات من ظروف عيشهم في بلدهم الأصلي، ويتقاضون أجورًا يَحلُم بها قُرناؤهم في بلدهم، ويُعاملون بكل احترام وعدالة، وإلّا لو كانت حياتهم في دول الخليج العربي كحياة الماعز في الفيلم المُغرِض لعاد أكثرهم إلى بلادهم، ولما دفعوا المبالغ الكبيرة وتحملوا المشقات فقط لكي يحصلوا على فرصة عمل في تلك الدول!

لقد أُنْتج فقط في الألفية الثانية أكثر من 40 فيلمًا تتحدث على ظروف العمل والعُبودية والاستغلال الذي يُعاني منه أكثر من 50 مليون شخص حول العالم أغلبهم في الهند تحديدًا!! ولم تُثر أيّ ضَجّة حول تلك المُمارسات والأفلام الواقعية.

ومنذ عام 2021 وحتى 2024 يوجد أكثر من 18 مليون شخص هندي على الأقل يعيشون حياة العُبودية في الهند، وهذا حسب تقارير لمنظمات أممية ومُستقلة منها تقرير أممي (India- Free The Slaves) أو "الهند..حرِّروا العبيد" والتقرير الآخر (India Fueling Modern Slavery) "الهند تُفاقم العبودية الحديثة".

إنّ توجيه هذا النوع من النقد عبر أفلام ودعايات أقل ما يُقال عنها أنّها مُغرِضة وحاقدة تدعو لتشويه صُورة الإسلام والعرب وتضغط باتجاه إلغاء نظام الكفيل بدول الخليج العربي، والذي وُضِع لحماية تلك الدول من مَوجات الهجرة الجماعية، والتي غالبًا ما تكون مُسَيّسة ولأغراض مَشبوهة، فيما أنه مِن شبه المُستحيل أنْ يحصل أولئك العُمال على نفس الفرص ونفس المُعاملة في دول أوروبية أو غربية.

خلاصة القول.. إنّ دول الخليج العربي أكبر من تلك المَشاهد الدرامية التي يُراد من ورائها إثارة المشاعر تجاه العرب والإسلام؛ فهي سُلوكيات اجتماعية فردية اعتادت عليها بعض قِيَم التعاملات التجارية ولا تُعَبّر عن أخلاق وحضارة شُعوب المنطقة. وبرأيي كان الأوْلى بِمُنْتجي هذا الفيلم أنْ يَجْروا اسْتفتاءً علنيًا لكل العاملين في دول الخليج العربي لمعرفة مَن يُفضِّل البقاء والعمل فيها، على العودة إلى بلده، وأُجزم أنّ نسبة مَن سَيُفضِّل البقاء لن تقل عن 99%.

تعليق عبر الفيس بوك